حسين بن حمزة الشعر الذي ملأ به نزار قباني دنيا العرب وشغل ناسه، بات مستبعداً اليوم أن يواصل مهمته بالسهولة نفسها. المشكلة ليست في شعر نزار وحده. الشعر، عموماً، ضجر من مواكبة مآسي العرب الكثيرة وأفراحهم النادرة، أو شتم أنظمتهم وحكامهم بالجملة. كما أنه ضجر، من أداء دور المرشد العاطفي لمراهقين في عشقهم الأول. الشعر العام، أو العمومي ــــ بحسب عبد المنعم رمضان ــــ لا يجد اليوم جمهوراً غفيراً. ما صنعه نزار ليس قابلاً للتكرار، ولعله ليس قابلاً لنيل الاستحسان الذي ناله أيضاً.
نزار شاعر موضوعات وعناوين كبيرة. كان يشتغل عند التاريخ ولا يجد وقتاً ليعتني بما يتطلبه الشعر. وقد تلذّذ بأداء هذا الدور الذي منحه الجانب الأعظم من شهرته. في شعره السياسي، كان شاهداً على عصر. يمكن قراءة قصائده باعتبارها سجلاً لتواريخ مفصلية. كتب عن فلسطين. عن هزيمة حزيران. عن زيارة السادات. عن التطبيع. عن حصار بيروت. عن اتفاق أوسلو. أذاق العرب صنوفاً من الشتائم، جامعاً بين جلد الذات وجلد الحكام.
في شعره عن المرأة، كان أكثر حساسية. كان صاحب اقتراح شعري كبير، وخصوصاً في مجموعاته الأولى. كان مفاجئاً أن يُكتب شعر بتفاصيل تبدو وقتها غير شعرية. ولا نبالغ إذا قلنا إن نزار هو أحد الآباء الحقيقيين لـ«الشعر اليومي» و«القصيدة الشفوية» و«شعرية التفاصيل». يكتفي شعراء هذا النوع عادة بذكر الماغوط كسلف شعري. وينسون فضل نزار.
بسهولته وبساطته، وجد هذا الشعر طريقه إلى عامة الناس... مفكرة رومانسية تؤرخ لشؤون الحب. أغلب القراء عاملوه على هذا الأساس. إذا أحبوا أول مرة وجدوا ما يناسبهم في شعره.. وإذا فقدوا حبيباً أيضاً. العشاق الصغار أنفسهم كبروا وانضموا إلى جمهور شعره السياسي الذي شفى غليلهم على أزماتهم ومآسيهم. جمع الرجل المجد من طرفيه، طرف الحب وطرف السياسة. كان شعره نوعاً من العلاج والتنفيس عن الآلام. ولهذا تلقى شهادات لا تحتفي بشعره بقدر ما تحتفي بموضوعات هذا الشعر.
لدى الجمهور العريض الذي يأنف من غموض الشعر، الشاعر الحقيقي هو نزار. معه صار الشعر متاحاً ومفهوماً ومنتشراً. وكان نزار يفخر بشعبيته، ما دفعه يوماً إلى القول إنّه لو رشّح نفسه لرئاسة الجمهورية لفاز بأغلبية الأصوات.