حسين بن حمزةعندما صدر «نظر إليّ ياسر عرفات وابتسم» ضمن مهرجان «أشغال داخلية» الذي تنظّمه جمعية «أشكال ألوان» قبل عامين، كان يوسف بزي يفكر في أنّ ما أنجزه ليس كتاباً يصدر عن دار نشر، وأنه غير موجّه إلى قرّاء الكتب أصلاً. فهو شاعر أصدر حتى الآن أربع مجموعات. ولم يسبق له أن انخرط في السرد، أو كشف عن ميول سردية أو روائية. وهذا يبرّر نظرته إلى إصداره الجديدوتصنيفه له عملاً كُتب بقصد المشاركة في مهرجان فني. لكن كل هذا لم بزي وغلاف النسخة الفرنسيّة من «نظر إليّ ياسر عرفات وابتسم» يمنع «الكتاب» من أن يعثر على حياة خاصة به. تجاوز مساحة المهرجان. انتقل إلى أيدي القراء والمهتمين، وعومل بوصفه كتاباً عادياً. كُتبت عنه مراجعات نقدية في الصحف. وصُنّف كتاباً ذا مذاق خاص ويطرح تجربة حياتية ونصيّة جديرة بالانتباه.
يقول صاحب «نظرات قوية كأسناننا»: «حين صدر العمل لم أعامله ككتاب عادي، بل اعتبرته عملاً فنياً يمكن أن يوُزَّع ضمن نشاطات «أشكال ألوان»، متوقعاً أن يُقرأ كوثيقة إلى الجيل الجديد من الشبان ذوي الاهتمامات الفنية الحديثة (فيديو، تجهيز، عروض تعبيرية...). وهؤلاء يشكلون جمهور المهرجان، ويمقت معظمهم القراءة الأدبية عادةً. لذا فوجئت بأن الناشر الفرنسي برنار واليه أبدى اهتماماً بهذا الكُتيِّب حين كان يفتش بين الروايات اللبنانية عما يصلح للترجمة، فقرر إصدار ترجمته الفرنسية. هكذا أبحرت عكس نفسي، ورحت أشارك الآخرين نظرتهم إلى عملي ككتاب، وخصوصاً بعد صدوره عن منشورات «فرتيكال» التابعة لدار «غاليمار»، التي تختص باكتشاف الكتابات التجريبية وغير المكرسة».
الحياة التي عاشها كتاب بزي بالعربية، أنشأت له حياة أخرى بلغة موليير. لكن هل أقلقه أن يُعامل كروائي أو ناثر في أول احتكاك له كشاعر بالترجمة؟ وهل يفكر في تكرار التجربة؟ يجيب: «يصعب التهرب من الفرح الذي انتابني بغضّ النظر عن هوية النص الذي تُرجم لي». مضيفاً: «مع ذلك، أول ما فعلته بعد عودتي من باريس، وعن عمد، هو الجلوس مع مسودات قصائدي الأخيرة. لم أفكر للحظة في النسج على هذا المنوال. لا أريد أن تغرّر بي هذه التجربة، فأضيع... كما حدث لبعض من باتوا يكتبون بهدف أن يُترجموا. هؤلاء ما عادوا يُترجمون وما عادوا يُقرأون بلغاتهم الأصلية. هذه التجربة هي امتحان أرجو أن أنجح في التملُّص منه سريعاًترجمة الكتاب تثير سؤالاً آخر: هل ثمة علاقة بين حماسة الناشر الفرنسي، ومضمون الكتاب الذي يروي سيرة مقاتل في الحرب الأهلية اللبنانية؟ هل أُخذ الكتاب على محملٍ إكزوتيكي؟ يجيب صاحب «المرقط»: «لا أعرف مجمل الدوافع التي تحفِّز الآخرين على ترجمة آدابنا ونصوصنا. يصعب فرز النيات وتقويمها. في ما يخص كتابي، لم تكن حماسة الناشر مبنية على مضمون الكتاب فقط، بل على الكيفية الأسلوبية التي كُتب بها أيضاً. لقد جرى التركيز على النبرة غير العاطفية فيه، وعلى خلوّه من الإدانة الأخلاقية والادعاء السياسي والأيديولوجي المسبّق. أتذكر أن أحد النقاد الفرنسيين قال: إن الكتاب يشكل درساً للروائيين الشبان في فرنسا، المأخوذين بكل ما هو منمّق. وهناك مراجعات نقدية في الصحافة أشارت إلى الشاعرية المضادة في الكتاب. هذه الأصداء، التي لا أتبنّاها بالضرورة، تشير إلى اهتمام أدبي وأسلوبي يعادل الاهتمام بالمضمون على الأقل».
الواقع أن تساؤلات كهذه يمكن أن تُطرح مع أي ترجمة. فالترجمة، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، باتت متهمة بكونها عملية استكشاف وتجسّس على ما يدور في المخيّلة العربية والإسلامية المتهمة، بدورها، بالإرهاب. لكنّ كتاب بزي ينجح في طرد هذه التساؤلات. لقد فعل الكتاب ذلك في نسخته العربية. والأرجح أن يواصل ذلك في النسخة المترجمة. كما أن قصائده ذاتها تسعى إلى لفظ كل ما هو عاطفي وبلاغي. ومن الطبيعي أن يكون إنجاز كتاب سردي، مناسبة لتعزيز هذا المسعى. وهذا يعني أن عدوى ما هو سائد في شعره، يمكن أن تنتقل إلى أي نص آخر.
لقد اعتاد يوسف بزي أن يباغت القارئ بمعجمه القاسي، وممارساته الشعرية الموالية لعالم المدن الحديثة والمعولمة. ولا بدّ أن الترجمة لن تمنع وصول نبرته إلى القارئ
الأجنبي.