يكتب مسلسلاً عن الحرب اللبنانية ويفتح على الخليج. يشرف على شركة الإنتاج التي أطلقتها «أوربت»، ويحضّر لسلسلة أفلام في دمشق والقاهرة، معلناً: السينما السورية... آتية!منار ديب
لا يمكن تصوّر النهضة الدرامية السورية التي بدأت قبل 20 عاماً من دونه. دافع كثيراً عن لغة السينما في التلفزيون، وفتح الباب للعديد من مخرجي دمشق البارزين: حاتم علي والليث حجو وسيف سبيعي والمثنى صبح... لكن هيثم حقّي غاب في الموسمين الأخيرين عن الساحة الدرامية؟ يجيب: «انشغلتُ بتأسيس شركة Reelfilms للإنتاج، التابعة لشبكة «أوربت». كما أخرجت في نهاية 2006 أربع حلقات من «ندى الأيام» مع حاتم علي والمثنى صبح».
وماذا يقول عن الشركة التي عرضت ثلاثة أعمال من إنتاجها في رمضان، هي: «الحصرم الشامي» لسيف سبيعي، و«زمن الخوف» لإيناس حقي، و«فجر آخر» لفراس دهني؟ ثم ما المقصود بالإشراف العام الذي تولاه حقّي في هذه الأعمال؟
يجيب: «الإشراف العام هو انتقاء الأعمال واختيار المجموعة الفنية مع المخرجين... أتناقش مع المخرجين الشباب، لكنّي لا أتدخل. ذلك أنني مدير فني ولست إدارياً أو مالياً فحسب». لكن ألم يكن مقرراً أن يكون «زمن الخوف» إخراجاً مشتركاً بين هيثم حقّي وابنته إيناس؟ «تدخلتُ في «زمن الخوف»، لأنه كان تعاوناً فنياً... في البداية كانت الفكرة أن نخرجه معاً، بقيتُ أذهب إلى التصوير لمدة 15 يوماً، أتدخل في التفاصيل وأشرف على العمل. ثم تولت إيناس العمل كاملاً».
وعن عرض مسلسلات «أوربت» على القناة التابعة للشبكة السعودية فقط، يقول: «عرضنا هذه المسلسلات على الأرضية السورية، من دون «الحصرم الشامي» الذي منع لأسباب رقابية سياسية، (بسبب تناوله عائلات شامية بالاسم). أضف إلى ذلك أنّ mbc عرضت على «أوربت»، شراء المسلسلات الثلاثة. هناك مفاوضات جارية، لكن «أوربت» تنوي إنشاء قناة مفتوحة، تنطلق في أيلول (سبتمبر) المقبل. لذلك، يتباطأون في بيع مسلسلاتهم».
لصاحب «سيرة آل الجلالي» أيضاً، مشروع تلفزيوني مقبل، «وأنا مصرّ على إنجازه: إنه مسلسل «البحث عنها» من تأليف ريم حنا. وهي منكبّة اليوم على كتابة العمل الذي يرصد مختلف طبقات المجتمع السوري».
بعيداً من التلفزيون، يؤكد هيثم حقي أنّ السينما هي ما يشغل باله اليوم: أنهى فيلمه السينمائي «التجلّي الأخير لغيلان الدمشقي» (راجع البرواز)، ولديه مشروع فيلم «خريف حار» مع الكاتب خالد خليفة. كما يشرف على إنتاج عدد من الأفلام لصالح reelfilms production، بينها ما هو من تأليفه مثل «الليل الطويل» (يخرجه حاتم علي)، و«حكاية الريح» (يخرجه عروة نيربية)، ويقدم فيه حكاية لبنانية عن الحرب الأهلية. أما «حي الورد»، فهو القسم الذي كتبه من «أيام ساروجة» (المسلسل الذي كان مقرراً أن يخرجه قبل عامين، وذهب اليوم إلى علاء الدين كوكش)، وسيتحول إلى فيلم، قد يخرجه حقّي بنفسه أو يسند المهمة إلى سيف سبيعي.
ومن الأفلام التي تنتجها الشركة أيضاً، «رقصة النسر» (تأليف وإخراج نضال الدبس)، ويبدأ تصويره قريباً. وتمتدّ التجربة إلى مصر لتراهن على بعض المخرجين الشباب، إذ انتهى تصوير فيلم «بصرة»، تأليف وإخراج أحمد رشوان، وسيليه مشروع «الطريق الدائري» لتامر عزت تأليفاً وإخراجاً...
هذه الأفلام المصورة بتقنية الـ«ديجيتال» ستقدّم على قنوات «أوربت»، كما ستعرض في الصالات... فهل هي أفلام تلفزيونية تبعاً لتقنية تصويرها، ومكان عرضها؟ «هي إمكانات تزداد يوماً بعد يوم، وخصوصاً أنّه قد تحقق ما كنت أحلم به. في عام 1994، اطّلعت في أميركا على أفلام الـ high definition، وقلتُ إن مستقبل السينما سيكون بلا «سيلولويد»... صحيحٌ أننا ننسخ أفلامنا إلى أفلام 35 لتعرض في الصالات، لكن التصوير في المرحلة المقبلة سيكون مباشرة على الـ«هارد ديسك» بكاميرات عالية التقنية، ونحن نعمل بكاميرا من هذا النوع. وسنحصل على كاميرا هي الأحدث في الشرق الأوسط».
ويرى حقي أنه لا خوف على اللغة السينمائية، «في البداية كان الشريط السينمائي يصنع من نترات الفضة، فهل اللغة السينمائية هي لغة نترات الفضة؟ هذه اللغة انتهت وأتى «السيلولويد». واليوم هناك شيء آخر، كما أننا نمنتج على الكومبيوتر، بعدما ننسخ المادة المنتهية، ولم يعد هناك مافيولا».
يصرّ حقي على أنّ لغة التلفزيون لا تقلّ أهمية عن لغة السينما: «مسلسل «فاغنر» مثلاً، يحتوي على سينمائية عالية، وقد صوّره استورارو، أحد أعظم مصوري العالم. وفيه مستوى تصوير لا تتمتع به 99 في المئة من أفلام العالم، وليس هناك مثله في كل الأفلام العربية». ويشير إلى أنّه «في السنوات القليلة المقبلة، لن يكون إلا الـ«سي دي»، وستكون هناك صالات مركزية تبثّ إلى الصالات الأخرى، وقد رأيت هذا المشروع في شركة Sony».
وماذا عن سينما دمشق؟ يبدي مخرج «هجرة القلوب إلى القلوب»، تفاؤلاً كبيراً بنشوء نهضة سينمائية في سوريا: «أنا أرى النهضة السينمائية بعينيّ ولست متفائلاً فقط، لكنها ستكون سينما مختلفة. مؤسسة السينما يمكن أن تصبح مؤسسة خدمات ومؤسسة إنتاج للعمل الأول والثاني، كما هي الحال في إيران».
وفي ظل الحديث المتكرر عن أزمة الدراما السورية، يرى حقي أن «الدراما السورية بخير. لقد حققنا الكثير، لكن لا بد من نقلة نوعية». كيف؟ «يجب التخلص أولاً من الالتزام بشهر رمضان، ثم حل أزمة تكرار موضوعات، وأسميه طرق الطرق المطروقة». ويراهن حقي على الرواية للخروج من أزمة النصوص، «استطعنا أن نقرّب الدراما التلفزيونية كنص من الرواية، وكنت دائماً أبحث عن الروائيين لأنهم يفتحون الدراما على مجموعة من العوالم والخطوط». كما يؤكد على مفهوم الصناعة، «الأهم أن يكون لدينا صناعة درامية، فحين توجد، سيكون هناك إنتاج جيد، وتسويق جيد. علينا ألا نفعل كما فعلنا في السينما، القطاع الخاص كان إنتاجه للتسلية، فقلنا لسنا بحاجة لهذا الإنتاج، وقتلنا صناعة».
وعمّا سمي بالحصار التسويقي والمؤامرة التي تعرضت لها الدراما السورية في الموسم المنصرم، يعلّق حقي: «هذا غريب، الخليج أنتج في سوريا العام الماضي. ونحن في «أوربت» قدمنا 3 مسلسلات، وفي الكويت تم إنتاج 3 مسلسلات، إضافة إلى mbc. إذا كان الخليج لا يريد دراما سورية فإنه لا ينتجها. ببساطة، لقد أنتج الخليج عدداً من المسلسلات المحلية، أخذت مكان الدراما السورية والمصرية». ويشير إلى أن الأعمال السورية حاضرة في كل مكان، «حتى LBC المفترض أنها معقل المؤامرة، عرضت «سقف العالم» و»الاجتياح»... نظرية المؤامرة سوّقها بعض المنتجين الذين لم يبيعوا أعمالهم بسبب المزاحمة».
لكن هل يتحكم رأس المال الخليجي بتوجهات الأعمال السورية؟ ينفي ذلك: «في أوربت لم يكن أحد يراقبني، والآن أنا صاحب القرار. والأعمال تثبت ذلك، ففي «زمن الخوف» مثلاً تكلمنا عن اليسار». ويشرح حقي: «كثرت الفضائيات واختلفت وصارت هناك منافسة... وأحد أسبابها «الجزيرة» التي غيّرت من طبيعة الكلام السياسي».
أما عن عمل بعض الممثلين والمخرجين السوريين في مصر فيضحك، ويقول: «أنا أول المتآمرين (في إشارة إلى مسلسله المصري «أحلام في البوابة» لسميرة أحمد، وقد أخرجه عام 2005)». ويضيف شارحاً: «هي ظاهرة إيجابية جداً، صنعت للدراما السورية حضوراً قوياً... وسوريا ولاّدة، يذهب ممثل ويأتي آخر. علماً بأن أحداً لم يتخلَّ عن العمل في بلده، وهذا تعاون مفيد إذا خرجت منه أعمال جيدة».


فارس الحلو
غيلان الدمشقي

«التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» هو عنوان الفيلم الذي انتهى هيثم حقي من تصويره أخيراً. والعمل الذي يتمتع «بجانب بصري كبير، يصعب الحديث عنه»، وهو يروي قصة شخص (مثقف) يحضّر رسالة الدكتوراه عن غيلان الدمشقي ومصيره المأساوي، فيقتدي به. يقول المخرج: «كلّ مثقف يقرأ عن غيلان يشعر بتجسده فيه، إذا كان شجاعاً وقادراً على المواجهة ومؤمناً بمبادئه، يشعر بنفسه مكانه حتى لو دفع ثمناً غالياً جداً، وغيلان دفع الثمن حياته، بطريقة مأساوية». ويضيف شارحاً: «البطل المعاصر (سامي) يعيش بسبب ضعفه وعدم فعاليته وعدم قدرته على اتخاذ أي موقف من أي شيء، حالة من الأحلام، فيشعر بأن غيلان الدمشقي يتجلى فيه». لكنه أيضاً «يتنقل بين شخصيتين: يتجلى في غيلان تارة، وفي هشام بن عبد الملك طوراً... هي تجليات تتغير حسب مصالحه الآنية».
ويشرح عن خلفية القسم التاريخي من الفيلم: «حين جاء عمر بن عبد العزيز إلى الحكم، وجد أن هناك فرقاً متباعدة: الشيعة كان من الصعب الاتفاق معهم، المعتزلة كانوا يطالبون بالأفضل سياسياً، ومنهم غيلان الذي لم يكن مفكراً معنياً بالجبر والتخيير فحسب، بل إن الصراع الذي أودى به هو صراع فلسفي: الله لا يمكن أن يظلم البشر».
وعن اختيار فارس الحلو للعب دور البطولة، يقول: «هو أحد الممثلين الرئيسيين لديّ. وهذا العمل كتب تحت إلهامه، ألهمني الشخصية... حتى الشكل، حين تقرأ النص لا تجد ممثلاً أكثر ملاءمة منه للدور. فارس من الطبقة الأولى في التمثيل في سوريا، وهو قدم أخيراً في «الحصرم الشامي» دوراً استثنائياً. وبينما كنا نصور «خان الحرير الجزء الثاني»، كنت أستمتع بمشاهدته. كتبت له هذا النص (غيلان) في نهاية التسعينيات، ثم أجريت تغييرات على المضمون بسبب تغير عمره». أما البطولة النسائية في الفيلم فهي للممثلة الشابة كندة علوش.