حسين السكاف «ربما الفن وحده يمكنه أن يمنح السعادة بألوان متعددة، ربما وحده يسمح للنور بأن ينبثق في هذه البلاد التي تعيش وتتنفس تحت الرماد». بهذه الكلمات التي نسبها إلى الإلهة عشتار، أنهى علي بدر الشريط التسجيلي الذي حقّقه مع المخرج زيد تركي. «تحت الرماد» عبارة عن أسئلة شائكة طرحها الروائي العراقي الشاب على المثقفين المشاركين في مهرجان «أسبوع المدى الثقافي» العام الماضي، وتمحورت حول ظاهرة الصراعات الطائفية في العراق وتأثيرها على المثقف.
تبدأ المشاهد الأولى من الشريط في مقهى «الروضة» في دمشق، أجمل المنافي العراقية ـ إذا كان للمنفى جمال ـ وأكثرها قرباً من أرض الوطن. يصف بدر حالة المنفى: «اعتقدنا أن المنفى يؤكد فكرة الخلاص. خلاصنا من البلاد التي ولدنا وتعذبنا فيها، لكننا اكتشفنا زيف هذه الفكرة تماماً، فبدلاً من البلاد التي تحمل مأساتنا، حملنا نحن مأساتهاتحت تأثير هذا الوجع، تنتقل الصورة من دمشق إلى كردستان العراق عبر مطار أربيل... ماذا تفعل الثقافة إزاء القتل والتدمير؟ بهذا السؤال المستفِز، يفتتح الشاعر صادق الصائغ إجابته، ليطرح سؤالاً أكثر مرارة: «ما الذي يمكن المبدع أن يفعله بوجود هؤلاء؟». هي المرارة والشكوى بأنّ السياسي الأعمى يتحكّم بمصير بلد تعود ثقافته إلى آلاف السنين.
«هل نحن منقسمون؟ هل نحن طائفيون؟»، هكذا يترجم علي بدر حيرته، وهو يتجول في شوارع أربيل، فيلتقي الناقد سهيل نادر الذي يجيب: «يبدون في الظاهر أنهم غير منقسمين، لكن حين يعيدون إلى بيوتهم، تظهر الانقسامات». بعد هذا الاعتراف الصريح بحجم الكارثة، ينتقل المخرج إلى الموسيقى، حيث العراقي أحمد مختار يعزف على عوده عزفاً جميلاً ينقصه الهدوء، تماماً كما هي إجابات المثقفين. وهنا يدخل رأي فنان آخر، هي عفيفة لعيبي الفنانة الوحيدة المشاركة في الشريط التي قالت: «لا يستطيع الفنّ أن يغيّر بشكل كبير ما يجري الآن في العراق، بل السياسيون. فالسلطة بيدهم».
لكنّ الشريط لم يكتفِ بالآراء المحزنة. كانت هناك آراء اعترفت بوجود حالات تطرف، لكن بشكل فردي، كما قال الكاتب كامل شياع والروائي طه الشبيب.
أصوات عراقية كثيرة شاركت في الشريط الذي وضع موسيقاه التصويرية أحمد مختار بالاشتراك مع فرقة منير بشير الموسيقية. والأهم أنّ ما جعل من العمل قيمةً وثائقيةً هو اشتراك نخبة كبيرة من المثقفين فيه، ما جعل الفيلم تسجيلياً بامتياز ووثيقة عراقية دامغة تعترف بانقسام طائفي داخل الوسط الثقافي العراقي.