محمد عبد الرحمن
الدين دخل حرب الفضاء! بعد «الناس» التي «تأخذك إلى الجنة»، و«الرسالة» التي تقدّمها باقة «روتانا»... جاء اليوم دور «البدر». المحطة المصرية ـــ الأردنية، التي تهدف إلى مواجهة تطرّف القنوات الأخرى، ستتطرق إلى شتّى المواضيع، من قضايا الأمة إلى... الصحّة الجنسية!


عندما تُعلن إدارة محطة أنها انطلقت ردّاً على قناة دينية أخرى، فهذا يعني أن الدين دخل حرب الفضاء، متّخذاً مسار المحطات السياسية. ذلك أن القنوات الرياضية والفنية تتنافس في ما بينها، لكنها لا تهاجم بعضها. بينما في السياسة والآن في الدين، تخرج القنوات لتردّ على خطاب المحطات الأخرى. هذا ما قاله حسين الشورى، رئيس قناة «البدر» خلال افتتاح المحطة: عندما تسلك فضائية «الناس» سلوكاً متشدداً لجذب شريحة معينة من الجمهور، يصبح منطقياً أن يجهد الرافضون لهذا السلوك، إلى تقديم مضمون آخر عبر شاشة أخرى... وقناة «الناس» التي انطلقت تحت شعار «الناس لكل الناس»، سرعان ما أدركت أن تقديم برامج «محافظة» وظهور المحجبات على شاشاتها، لم يعد كافياً. لذا، استعانت بمجموعة من الشيوخ السلفيين مثل حسين يعقوب ومحمد حسان ومحمود المصري الذين نجحوا في استقطاب عدد لا بأس به من الجمهور الباحث عن «الهداية»، بعيداً من الإعلام الديني الرسمي. وفعلاً، نفذ الشيوخ الثلاثة مخططهم، وغيروا شعار المحطة إلى «قناة تأخذك إلى الجنة». ثم طردوا جميع النساء العاملات أمام الكاميرا ووراءها، قبل أن تطفو على السطح فضيحة عدم دفع رواتب الموظفين. أولئك الذين استمروا في عملهم، أملاً في الهروب يوماً إلى قنوات جديدة مثل «البدر» التي أعلنت مواجهة «فضائيات الشيوخ».
هل تنجح المحطة في جذب جمهور «الناس»؟ وأي خطاب قد تصدّر، علماً أن مالكيها هما الأردني نبيل بدر والمصري محمد مقبل؟ الخريطة التي أعلنها مدير القناة في مؤتمر صحافي عقد أخيراً في القاهرة، لا تبشر بأي تميز قد تحمله «البدر». اللقاء أقيم أولاً في مقرّ الشركة، وكان هذا دليلاً كافياً على افتقار القناة إلى الإمكانات المادية. ثانياً، معظم البرامج التي تعرضها، تحضر بشدة على باقي المحطات المصرية المماثلة. ولعلّ أبرزهابرنامج «الخاطبة» الذي يهدف إلى «جمع رأسين في الحلال»، وبرنامج «وظيفة على الهوا» الذي يقدّم فرص عمل للباحثين عنها. وهناك أيضاً «بلا خجل» عن الصحة الجنسية و«طلع البدرُ» و«معالي الوزير»... وماذا عن «النجوم»؟ لقد اختارت «البدر» صحافيين محسوبين على الحزب الوطني، لتقديم برنامج يومي هو «عيون الحقيقة». وإلى جانب سمير رجب وحسن الرشيدي، يطلّ أحمد يوسف القرعي ومحمود خليل، ليتناوبوا على تقديم البرنامج من السبت إلى الأربعاء. كذلك سيطلّ الفنانون الملتزمون على المحطة، إذ تقدم مديحة حمدي برنامج «ربِّ ارحمهما» الذي يزور دور المسنين. كذلك يجري التحضير لبرامج يقدّمها وجدي العربي ومي عبد النبي. بينما انضم إلى فريق العمل جمال الشاعر، رئيس قناة «النيل الثقافية»، ليقدّم برنامجاً أسبوعياً، ويناقش قضايا تهمّ الأمة الإسلامية. وكانت المحطة قد فشلت في إقناع شمس الباردوي بالانضمام إلى القناة، بسبب «شروطها المادية المبالغ فيها»، وقيل إنها اقتربت من 900 ألف جنيه (أقل من 180 ألف دولار). وهو ما تكرر مع زوجها الفنان حسن يوسف الذي كان مقرراً أن يقدّم برنامجاً فنياً ملتزماً.
وتعتمد «البدر» أسلوب الإنفاق المتوسط في انتظار الحملات الدعائية التي قد تساعدها في إكمال مشوارها. وحتى المسلسلات التي ستعرضها، مثل «ضربة حظ» و«كلام بجد»، فقد قدمتها إليها شركات الإنتاج هدية.
يذكر هنا أنّ قناة «الناس» لا تقف بمفردها في مواجهة القنوات الدينية الجديدة، أو تلك التي تقول إنها تتّبع منهج الوسطية مثل «الرسالة» و«اقرأ»... فبعد «الناس»، انطلقت «الخليجية» التي كانت في السابق محطة غنائية، وهي تتوجه إلى المشاهد الخليجي بشكل أساسي. ثم أطلّت قناة «البركة» التي لا تختلف كثيراً عن «الناس» إلا في تركيزها على بعض البرامج الاقتصادية والعلمية، رغم أن معظم الوجوه تتكرر هنا وهناك. وأخيراً، جاء دور «الصحة والجمال»، وهي قناة صحية، تلتزم بقواعد مجموعة «الناس»، وتعتمد في تمويلها على شبان ملتحين وفتيات محجبات، يحاولون إقناع ربات البيوت بشراء ما تعرضه «الصحة والجمال».
ويبدو أن مجموعة «الناس» ستظل متصدرة المشهد الفضائي الديني السلفي، بسبب تراجع قنوات أخرى مثل «الفجر» التي اختفت أخيراً بعد دخول مالكها الشيخ محمد الغزاوي في صراعات متتالية مع العاملين معه من جهة، والصحافة الحكومية من جهة أخرى. إذ خاضت الصحف معركة شرسة معه، متهمة إياه بالتخطيط لنشر الفكر الوهابي بين المصريين. كما أثار مالك القناة الضجّة، عندما كُشف أنّه صاحب محطة «أصول» العقارية، ما أثار الشكوك حول نية «الفجر» تقديم موادها التلفزيونية من دون السعي إلى الربح المادي.
ورغم أن القنوات الدينية ترفع شعار «الوسطية» وتحاول الابتعاد عن تلك الصراعات، مشيرة إلى أنها ترفض مبدأ التطرف، لم يحل ذلك دون تورّطها في فتاوى تحضّ على العنف. هذا ما حدث أخيراً مع قناة «اقرأ» التي أطلقت فتوى استتابة الكاتبة المصرية بسنت رشاد بسبب كتابها «الحب والجنس في حياة النبي»، وذلك من دون تقديم بلاغ رسمي إلى الجهات المختصة، الأمر الذي عرّض حياة الكاتبة للخطر. وكانت «الرسالة» قد ناقشت مسائل شائكة، مثل الحلقة التي تناولت أخيراً تولي المسيحيين للمناصب في الدول الإسلامية (راجع البرواز).