بشير صفير
تُعدّ ذكرى عاشوراء من أهمّ المناسبات الدينيّة عند الشيعة، وتمتدّ عشرة أيّام لتبلغ ذروتها في العاشر من شهر محرّم يوم استشهاد الحسين بن علي في كربلاء، خلال معركة ضد يزيد بن معاوية الذي أمر بقتله لرفضه تقديم البيعة له للخلافة. وهو يوم نصرة المظلوم على الظالم، يستعيده الشيعة في العالم، وخصوصاً في إيران والعراق ولبنان والبحرين والكويت، كما في دول من خارج العالم العربي كالهند وباكستان، من خلال ممارسة طقوس يغلب عليها الحداد والطابع الحزين: مجالس عزاء، قراءة مرثيات، روايات تصف الأحداث والظروف التي أدّت إلى مقتل الحسين وآل البيت، إضافة إلى إقامة مسيرات عاشورائية يمارس فيها المشاركون ضرب الصدور ولطم الخدود وشجّ الرؤوس بالسيوف ورفع النواح غضباً وحزناً. أوّل هذه الطقوس بدأ في إيران في القرنين 16 و17، ثم في العراق ولبنان في القرنين 19 والعشرين.
وهذه الذكرى المقدسة التي تكتنفها المأساويّة، تكتسب جانباً فنياً مهمّاً، إضافة إلى الطقوسيّة المشهديّة التي تلف الأيام العشرة، وخصوصاً اليوم العاشر. هذا الجانب يتمثّل بتراث إنشادي غني وخاص، يعرفه لبنان على وجه الخصوص، قوامه إنشاديات ومرثيات وندبيات، وأشكال غنائية أخرى لنصوص قديمة أو جديدة، بالفصحى أو باللكنة العراقية أو المحلية.
وقد التقت أنظار العالم عند الطائفة الشيعية في العقود الأخيرة، وانتشرت الكتب التي تتناول الشيعة.
أما موسيقياً، فأصدر «معهد العالم العربي» في باريس، خلال حزيران (يونيو) 2007، أسطوانة للفنان محمد رمّال بعنوان «ملحمة عاشوراء». والمعهد القائم على شراكة عربيّة ــــ فرنسيّة هدفها التعريف بالحضارة العربية وثقافاتها في أوروبا، أصدر مجموعةً كبيرةً من الأسطوانات منذ أواسط التسعينيات، شملت الموسيقى الفولكلورية والتراثية الشعبية من موريتانيا إلى البحرين، مروراً بمعظم الدول الأخرى... وها هو يلتفت للمرة الأولى إلى لبنان، فيقع اختياره على التراث الغنائي الشيعي.
ضمّ الألبوم إنشاديات ومرثيات ومواويل، وقصائد ونصوصاً نثرية مقروءة أو مغنّاة أو مُنشَدة، تروي أحداث استشهاد الحسين أو ترثيه وآل بيته، وتمجّد النبي والإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء، إضافة إلى أبيات عتابا وميجانا بطولية.
يتولّى الأداء محمد رمّال الذي غيّر مسيرته الفنيّة من عازف أورغ مع جورج وسّوف إلى الإنشاد الديني. ونلاحظ استعمالاً خاصاً للمقامات الشرقية المحمّلة بقوّة تعبيرية، كالبيّات والخزام والحجاز والصَبا والكُرد. ويرافق رمّال كورس من أربعة منشدين إضافة إلى الإيقاعات فقط. ومن أبيات العتابا في الأسطوانة: «حيدر ما خسر بالحرب مرَّة/ سقى جيوش العدا كاسات مُرّة/ وعلى خيبر عندْ ما مرّ مرّة/ قلع باب الحصن والركن عاب».

«ملحمة عاشوراء» لمحمد رمّال، إنتاج معهد العالم العربي، توزيع HARMONIA MUNDI www.imarabe.org