strong> صباح أيوب
أراد المخرج هادي زكّاك أن تكون الأصداء الآتية من لبنان أصداء طائفية بامتياز، تعبّر عن مجتمع لبناني يعيش موزّعاً داخل مناطق مقسّمة طائفياً وأحياء مفروزة مذهبياً، وشعارات دينية سياسية تتناقلها الأجيال، كلٌّ حسب طائفته. أصداء شيعية، سنّية ومارونية هي حلقات السلسلة التي أخرجها زكّاك، وعرضت «أخبار المستقبل» حلقتها الأولى مساء أول من أمس بعنوان «أصداء شيعية». أن تتصاعد خطابات السيّد حسن نصر الله، وفي خلفّيتها الصوتية استعراض عسكري لرجال «حزب الله»، تليها شهادة من إحدى المحجّبات تعلن افتداء نفسها من أجل السيّد، وكاميرا تتجوّل في زواريب الضاحية الجنوبية لبيروت تتحدّث مع السكان... هي لقطات لا نشاهدها كل يوم على شاشة «المستقبل»، لكن «الوعد» الذي قطعته قناتها الاخبارية، بألا «تمسّ مضمون أي من الأفلام الوثائقية التي تعرضها»، حتّم عليها أن يحتلّ «الشيعة» مساحة كبيرة من هوائها في سهرة السبت الماضي. (راجع «الأخبار» ـــــ عدد الجمعة 11 ك2/ يناير 2008).
من الضاحية إلى الجنوب ثم إلى البقاع وأخيراً مخيم وسط المدينة، «لاحقت» كاميرا زكّاك أبناء الطائفة الشيعية، قدّمت صورة واقعية إلى حدّ ما، عن حياة أبناء تلك الطائفة، وعن بعض ما يقولونه في سرّهم، وفي العلن. هكذا، جاءت الصور مباشرة والمداخلات فجّة كما هي في الواقع، من دون أي لمسة «تجميلية» أضافها المخرج. ومع إصرار زكّاك منذ البداية على أن يكون لـ«العلماني» حضورٌ دائم في حلقاته، استضاف في الشريط عائلة يسارية (عائلة مروان حمدان)، أفرادها علمانيون حزبيون، يعيشون في وسط الضاحية الجنوبية. كذلك سعى إلى أن تكون الفئات الشيعية المختلفة ممثّلة أيضاً، فحضرت إسراء نموذجاً عن الملتزمين دينياً وحزبياً بعقيدة «حزب الله»، وفؤاد عن حركة «أمل». فيما برز تحليل السيّد هاني فحص ليضفي اختلافاً في الشكل والمضمون، متحدّثاً عن «ظاهرة «الشخصنة» التي تفشت بقوة عند الطائفة الشيعية»، ومتسائلاً عمّا «إذا كان هناك من «هزيمة إلهية» أيضاً»؟
حربُ تموز لم تكن محور الشريط. لكنّها محطة كان لا بد من ذكرها، فمرّت من دون مشاهد انفجارات ولا أشلاء، وحتى سنوات الاحتلال الاسرائيلي الطويلة للجنوب اختصرت بلحظات الفرح التي رافقت تحرير المعتقلين من سجن الخيام عام 2000. انتقاء سريع لأبرز المحطات التاريخية للطائفة وعرض أسرع للظواهر الاجتماعية التي يعجّ بها مذهب يطبّق الشريعة الدينية بشكل أساس في حياته الاجتماعية اليومية داخل جمهورية غير إسلامية... مجدداً مظاهر فرح ومزاح داخل زواريب الضاحية المكتظة بالركام والسكان، فإذا بالشريط لم يتوغّل بعمق في التركيبة الاجتماعية والدينية لهذه الطائفة. كما لم يلقِ الضوء على خصائص هذه الفئة التي عانت تاريخياً من التهميش. هكذا، طغت الكليشيهات على حساب جوانب أعمق، كانت تستحق أن يتوقف عندها الشريط أكثر. ولعلّ أصدق ما نقل عن اختلاف الرأي بين الشيعة في ما بينهم ومواطنين من غير طوائف، هو طاولة إحدى مقاهي بيروت الليلية التي شهدت مشادات كلامية و«حوار طرشان» نموذجي دار بين شباب مختلفين توجّهاً وانتماءً... هذا عن الشيعة، فهل من جديد قد يقدمه زكّاك في شريطي السنّة والموارنة؟

السبت 21:00 على «أخبار المستقبل»