بيار أبي صعب
قبل ربع قرن (وبضعة أسابيع)، نعاه فرنسوا ميتران قائلاً: «لقد غربت شمس فرنسا». كانت السماء شديدة الزرقة ذلك اليوم من ديسمبر في باريس، والشمس عاجزة عن تلطيف الصقيع الذي يفتّت العظام. على واجهة العمارة الشهيرة التي بناها أوسكار نيماير في ساحة الكولونيل فابيان، علقت صورته العملاقة قرب الراية الحمراء. عام 1982 كان ما زال بإمكانك أن ترى حشوداً تؤمّ مركز الحزب الشيوعي الفرنسي...
لوي أراغون (1897 ــــ 1982) يشبه أسطورته بشكل مدهش. نحفظ منه غنائيّته، وقع كلمات التروبادور الذي يبشّر، في شوارع غرناطة، بحبيبة عربيّة الملامح آتية من المستقبل. لكن هناك أيضاً روايات المرحلة الشيوعيّة. نحفظ إلسا تريوليه وعينيها العميقتين «تتمرّى فيهما الشموس». بعد فراق 12 عاماً، جاء يرقد إلى جنبها تحت طاحونتهما الشهيرة في فيلنوف. لكن «مجنون إلسا» أحب الشبان أيضاً. الشاعر الفرنسي الكبير كان كل ذلك في آن معاً. دادائي فسريالي، وواقعي اشتراكي. لغته بقيت فائرة وصاخبة تضجّ بنبض سريالي، حتى في مرحلته «الستالينيّة» التي صحا منها أواخر الخمسينيات. ذات يوم، بعد ربيع براغ كتب في مقدّمة الترجمة الفرنسية لرواية كونديرا «المزحة»: «هكذا ذات ليلة، في الهجيع الأخير، سمعنا على الترانزستور حكم الإعدام يلفظ على أوهامنا الأبديّة».
أراغون هو صاحب المانيفستو السريالي الأول قبل أندريه بروتون: «موجة من الأحلام» (1924). وهو شاعر المقاومة. يجمع الحب والأمل والغضب، ويغنّي الوطن والفقراء. ويبقى وحيداً في اللغة، في الثورة والأسطورة. الابن اللقيط صار الحارس الساهر على ذاكرة مهددة بالطمس والامحاء. إنّه محرّض الضمائر، والرجل الهادئ الذي تشبّع من قصائد لوتريامون ومالارميه وأبولينير ورامبو، ثم كتب بلغة كلاسيكيّة قريبة من الأرض والفلاحين. إنّه الأسطورة وقد تجسّدت شاعراً.