صباح أيوب
هل تختلف “الحياة الجنسية عند الشيوعيين” عن “الحياة الجنسية عند الرأسماليين”؟ ما هي الأفكار التي كوّنها سكّان ألمانيا الغربية عن الحياة الجنسية في ألمانيا الشرقية حيث كانت تُفرض ضوابط مشددة على الجنس، وتُمنع صناعة الأفلام الإباحية وتجارتها؟ كيف نجح مخرجون بتصوير بعض من هذه الأفلام في ألمانيا الشرقية وتهريبها الى بقية دول أوروبا؟ وأخيراً، ماذا غيّر سقوط جدار برلين في نظرة الشعبين إليها؟
أسئلة كثيرة تطرحها أربعة أفلام وثائقية قصيرة تعرضها محطة ARTE هذا المساء. والأفلام هي:
“Le Sexe, La Faucille Et Le Marteau”،
“RDA, LAmour Autrement” (أندريه مايير)، “Made In RDA Pornographie” (لوتز رانتنر وفرانك أوتو سبيرلش)،
“Leipzig, Sex And The City” (كريستين موريسبورغ ورينيه فرولك). تسلّط هذه الأفلام الضوء على مخرجين ومصوّرين نجحوا في صناعة أفلام إباحية في ظلّ النظام الشيوعي. وقد شارك في بعضها، في طريقة غير قانونية وبشكل سرّي، ضبّاط من الجيش! ويحاول لوتز رانتنر وفرانك أوتو سبيرلش، الكشف عن مدى صحة الشائعات التي سرت في الثمانينيات، والتي تناولت تورّط الدولة في تجارة الأفلام الإباحية وتهريبها الى دول أوروبا.
وفيما أعلن 98 في المئة من الشباب (تحت الثلاثين من العمر) في ألمانيا الشرقية رضاهم عن حياتهم الجنسية يومها، يحاول عدد من علماء الاجتماع في هذه الأفلام، تفسير هذه المفارقة. الإحصاءات التي نشرت عام 1980، تشير الى تفوّق سكّان ألمانيا الشرقية جنسياً على شعوب أوروبا بأكملها، على رغم القمع والضوابط المشدّدة التي كانوا يعيشون تحت وطأتها في ظل النظام الشيوعي السابق. لماذا إذاً فشلت الأنظمة السياسية في الغرب في “إرضاء” شعوبها، وقد اتّبعت مبدأ الحريات والانفتاح، وعمدت إلى فكّ القيود عن مختلف الجوانب الحياتية بغية توفير “الرفاهية الاجتماعية” للسكان؟ هل هو تحوّل المجتمع الغربي الى استهلاكي بامتياز؟ أم المشكلة تكمن في كثرة الأفلام الإباحية وسهولة الحصول عليها؟
تحاول هذه الأفلام معالجة القضية بعمق. وعلى رغم أنها تعتمد على أمثلة تعود الى حقبة زمنية معينة، لا تزال ظواهر هذه القضية ومشاكلها الاجتماعية مطروحة حتى اليوم. وقد نتجت منها مشاكل أخرى، نمت كالفطر في ظلّ ثورة التكنولوجيا والإنترنت. وإذا كان بعضهم، في ظلّ نظام متشدد، قد عانى نقصاً في الأفلام الإباحية، فإن معظم مجتمعات اليوم تعاني كثرة هذه “المواد” وتوافرها في شكل عشوائي ومبالغ فيه. في عصر العولمة والتكنولوجيا المتطورة، أصبح من السهل جداً الحصول على مشاهد وأفلام وصور من مختلف البلدان، يتناقلها سكان العالم عبر الإنترنت وتقنيات التسجيل في الهواتف المحمولة. ما جعل “الجنس” سلعة رخيصة “معولمة”. والأخطر أنها باتت “تُغني” في بعض الأحيان عن الممارسة الفعلية الطبيعية. وهو ما أثراً سلباً، حسب الدراسات، في العلاقات الزوجية، وأسهم في تغيير المفاهيم السليمة للحياة الجنسية عند الشباب، وخصوصاً مع انخفاض النسبة العمرية عند من يتّقن استخدام التكنولوجيا على أنواعها.
هل بات العالم “يحتاج” إلى أنظمة قمعية ضابطة كي تستعيد الحياة الاجتماعية وتيرتها وتوازنها الطبيعي؟ وهل دخلنا في فوضى عالمية تستبيح المبادئ والخصوصية؟ لعلّ ما يجري اليوم من “شواذات” فاقعة في العلاقات الاجتماعية نتيجة طبيعية لهذه الطفرة الإباحية، وربما أرادت arte إعادة النقاش إلى طاولة الحوار من خلال بثّ هذه السلسلة.

بدءاً من الساعة 21:15 على arte