الدار البيضاء ـ ياسين عدنان
ينطلق اليوم، في الدار البيضاء المعرض المغربي للكتاب، على خلفيّة معركة فكريّة جديدة سبقت موعد الافتتاح. فقد رفض محمد الأشعري، وزير الثقافة المغربي، مشاركة بعض الدور المتخصّصة في «الشعوذة» الدينيّة...

«معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب» يفتح اليوم أبوابه للجمهور، وتستمرّ دورته الثالثة عشرة حتى الثامن عشر من الشهر الحالي. إلا أنّ سجالاته اندلعت منذ أكثر من أسبوعين على شكل حرائق صغيرة أتت في الأيام الأخيرة على الصفحات الثقافية لمختلف الصحف المغربية يميناً ويساراً.
بدأت المعركة عندما وجَّهت صحيفة “التجديد” المقرّبة من حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، انتقادات عنيفة إلى وزارة الثقافة على خلفية “منع هذه الأخيرة أكثر من 50 داراً للنشر متخصصة في الكتاب الديني والإسلامي من المشاركة في المعرض”. هذا الهجوم انخرطت فيه أيضاً صحيفة “العلم” لسان حزب الاستقلال المشارك في الحكومة. إذ صدّرت صفحتها الأولى بمقال ناري جاء تحت عنوان: “هل تحوّل المعرض الدولي إلى مــــــــــعرض علماني للكتاب؟”
إجراء قانوني لا رقابة
طبعاً لم يتأخر رد وزير الثقافة محمد الأشعري الذي أصدر بياناً توضيحياً جاء فيه: “لسنا في حاجة إلى التأكيد أن المعرض الدولي للكتاب، وقد أصبح معرضاً حقيقياً لا وسيلةًً للشعوذة الثقافية، يشارك فيه اليوم أكثر من 500 عارض ويؤمه أكثر من 700 ألف زائر، لم يعد يحتاج إلى دروس سهلة في مضمونها وخلفياتها، وسيستمر على النهج المهني الثقافي الذي يحدّده قانون المعارض.... ولا بد من الاطلاع على هذا القانون، قبل المجازفة بإطلاق اتهامات مجانية. أما العلمانية فتحتاج إلى نقاش جديد، لا إلى استعمالات ترهيبية لا تخدم ثقافتنا الوطنية في شيء. لقد تحوّل المعرض فعلاً، ليس من معرض ديني إلى معرض علماني، لكن من معرض محدود ومتخلِّف... إلى معرض دولي يستحق هذا الاسم”.
وقال الأشعري إنّ هناك أكثر من ثمانين داراً للنشر متخصصة في الكتاب الإسلامي ستشارك في المعرض، وإنَّ “رفْضَنا ــ لا منعنا ــ لبعض الناشرين، هو رفض مهني لا رفض إيديولوجي”. الناشرون الذين حُرِّرت في شأنهم محاضر مخالفات في الدورات السابقة لن يشاركوا في المعرض. كما أنّ من يسرق حقوق التأليف وحقوق الترجمة وكلّ من يريد اجتياح المعرض بالكتب القديمة، كل هؤلاء لا مكان لهم في معرض الدار البيضاء.
لكن العاصفة لم تستكن. إذ شنّ النائب عبد الإله بن كيران رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (إسلامي معارض)، هجوماً عنيفاً على الأشعري خلال مقابلة أجرتها معه “الجزيرة نت” قائلاً: “هذا الوزير له سوابق في هذه القضية، فقد سبق أن منع عرض الكتب الإسلامية في إحدى الدورات. وادّعى أنّ أموالها تُحَوّل إلى جهات مشبوهة، وسبق له أن منع المصاحف، بحجة أنّها مصاحف برواية حفص. وهو قد يجهل أنّ المغاربة هم من أكثر الشعوب الإسلامية علماً بالقراءات السبع، ومن أكثرهم حرصاً على المحافظة عليها”. وذهب النائب بن كيران أبعد من ذلك، مطالباً بإعفاء الأشعري من منصبه كوزير للثقافة. “عيب أن يبقى هذا الرجل وزيراً للثقافة في بلد ينصّ دستوره على أنّه دولة إسلامية وأنّ دينه الرسمي هو الإسلام، وأن ملكه هو أمير المؤمنين. وفي الوقت عينه تمنع وزارة الثقافة أكثر من 50 داراً لنشر الكتاب الإسلامي من عرض كتبها”.
وكّرت سبحة الاتهامات المتبادلة، فردّ الأشعري على تصريح بن كيران، فاعتبره “تكفيرا لا اتهاماً”! وأكد أنّ خطورة هذا الاتهام، تكمن في أنه ليس تصريحاً طائشاً لأحد الأصوليين المتخفين وراء أقنعة من هنا وهناك، بل هو تصريح “صادر عن سياسي يمارس معنا الحياة السياسية. يأكل ويشرب معنا على هذه المائدة المسماة الديموقراطية”. وأضاف الأشعري في تصريح خصّ به صحيفة “الأحداث المغربية”: “مرة أخرى أؤكد لابن كيران ــ وليس هذا الأمر دفاعاً عن النفس بل دفاع عن الحقيقة ــ بكل بساطة ما قلته له في مجلس النواب رسمياً... بأن ما يدّعيه في شأن منع وزارة الثقافة الكتاب الإسلامي ادعاء كاذب وادعاء “انتخابوي” و“سياسوي”، لا علاقة له بالحقيقة. تشارك في المعرض عشرات دور النشر المتخصصة في الكتاب الإسلامي. أما رفضنا مشاركة عدد من دور النشر، فيستند إلى أسس مهنيّة لا علاقة لها بالإيديولوجيا من قريب أو بعيد. سيكون الكتاب الإسلامي حاضراً في المعرض بقوة، شأنه في ذلك شأن كل الأنواع الأخرى. وستكون هناك ندوات عن الكتب التي تتحدث عن الإسلام اليوم. ونحن نرى أنّ الإسلام لا يمكن أن نتحدث عنه، فقط، من منطلق الأفكار السوداء والظلامية، بل من منطلق البحث والدراسة التي يقوم بها عدد من الباحثين الكبار الذين سيحلّون ضيوفاً على معرض الكتاب في دورته الثالثة عشرة. المعرض مفتوح أمام الجميع، وقد زاره السنة الماضية حوالى 730 ألف مواطناً، وإذا كان بن كيران مواطناً ضمن المواطنين، فيمكنه أن يزور المعرض ويتأكد بنفسه”. لا شك في أنّ هذه المعركة ستتفاعل في الأيام المقبلة، وخصوصاً مع افتتاح المعرض ولن تهدأ مع اختتامه في 18 من الشهر الحالي.