محمد خير
“أريد أن تشاركني حالة المشي/ التي تنتابني كلما تقدمت في العمر/ الحالة التي أتذكر خلالها أشياء غائمة/ وأقرر ألا أتذكرها بعد ذلك/ وأتذكرها بعد ذلك”.
في ديوانه الجديد “حالة مشي” الذي صدر عن “دار ميريت” خلال فعاليات “معرض القاهرة الدولي للكتاب” الأخير، يتابع الشاعر المصري إبراهيم داود التقاط التفاصيل وجمعها هوايةً شعرية محببة، كما فعل قبلاً في ديوانيه “تفاصيل” و“تفاصيل وتفاصيل أخرى”. لكنّ الفارق هنا أنّ هناك إحساساً بالمباغتة. لقد سرقت التفاصيل أيامه كما سرقها بالضبط... يقابل المباغتة بالهدوء، وربما بالاستسلام أيضاً والاكتشافات المتأخرة: “الأوراق التي غمرتني بالمواعيد الصغيرة/ التي أكتشفها وأنا أبدل ملابسي/ المكتوبة على عجل/ والتي تتراكم بشكل مخيف/ جعلتني أنسى أصحابها/ وأتذكر/ أن الأيام تمضي وأنا هنا/ أكتب قصائد/ وأضيعها”.
في أواخر ثلاثينياته، يتابع داود مشروعه الذي وضعه في قائمة أبرز الأصوات النثرية المصرية. القصائد المندهشة تتطلع هنا إلى راحة حتى وإن لم توفر لها الطمأنينة: “العناية بالظل ومداعبة الماء/ يدفعان إلى الرسم/ إلى البكاء بلا سبب في قطار/ البكاء الذي يخطف القلب/ والذي لا تعرف كيف تتصرف فيه؟”. إلا أنّ خوض الحياة ليس مطمئناً بدوره، فقد يأخذ من الروح أكثر بكثير مما بذلته:
“صار عليّ أن أشرب/ لألحق الحانة قبل روبرت دي نيرو/ الذي لا تعرف مشاعره تجاهك/ ملامحه تؤكد أنه فقد جزءاً كبيراً من عمره/ ذات ليلة في مكان ما/ ومع هذا لا يشعر بالفشل مثل توم هانكس/ الذي ركض أكثر مما ينبغي”.
هل يتمالك نفسه إذن بعيداً عن الآخرين، حتى لو أعطاها بعض الأوامر؟: “يكفي أن تترك رجال الأعمال/ يتحدثون باسمك/ وتتفرغ تماماً للزراعة/ عليك أن تربط الأيام في سريرك/ وأنت تداوي جراحك بالطين/ وتلعن الطب/ والأحزان التي أشعلت الجامعات!”.
جاء الحجم الصغير للمجموعة الشعرية (66 صفحة) متسقاً مع ومضات القصائد القصيرة التي يتضمنها الديوان وسبقه لنفس الشاعر على الترتيب “تفاصيل، مطر خفيف في الخارج، الشتاء القادم، تفاصيل وتفاصيل أخرى، لا أحد هنا، انفجارات إضافية”، هو الديوان السابع إذن، وهو أحد أجملها بلا شك.