بشير صفير
أحيا العالم، قبل أشهر، الذكرى السبعين لرحيل الشاعر والكاتب المسرحي الاسباني فدريكو غارثيا لوركا الذي سقط برصاص الفاشيين في غرناطة عام 1936 خلال الحرب الاهلية الاسبانية. وحياة لوركا، رمز الحرية والنضال الذي مات عن 38 عاماً، شكّلت مادة دسمة لأعمال مسرحية وموسيقية تناولت ظروف اعدامه الملتبسة. وفي هذا الإطار، تندرج الأوبرا التي وضعها حديثاً المؤلف الارجنتيني اوزفالدو غوليوف وحملت عنواناً عربياً بأحرف لاتينية هو Ainadamar (عين الدمع). العمل الذي أنتجته شركة “دوتشيه غراموفون” فاز بجائزتين في مسابقة جوائز “غرامي” هذا الشهر وهما جائزة أفضل أوبرا لهذا العام وأفضل عمل موسيقي معاصر. تعني كلمة Ainadamar “سبيل الدموع” (وفق الترجمة الواردة في كتيب الأسطوانة)، وهو سبيل مياه في غرناطة أُعدم لوركا بالقرب منه. وتتناول الأوبرا قصة إعدام لوركا مستعادة من ذاكرة الممثلة الاسبانية مارغريتا خيرغو التي أحبته وأدّت الادوار الرئيسية في مسرحياته. وتركّز الأوبرا على ثلاث لوحات بطريقة تخلط بين الحاضر والماضي، بين الواقع والخيال، مع مرافقة موسيقية معاصرة تمزج بين الأوركسترا والكورس والغناء المنفرد والإلكترونيات، وتفرد مساحة لموسيقى الفلامنكو بإيقاعاتها وآلاتها التراثية. تبدأ الاوبرا بشكل كلاسيكي، أي بافتتاحية موسيقية. لكنّ النمط الذي اعتمده المؤلف غوليوف غير كلاسيكي. اذ استعاض عن الآلات الموسيقية بأصوات من واقع الحياة تبدأ بخرير مياه Ainadamar يتبعها ايقاع حوافر الأحصنة المهرولة تصويراً لمشهد هروب العروس مع عشيقها على ظهر الحصان في مسرحية لوركا “عرس الدم”. وتبدأ اللوحة الأولى بموسيقى الفلامنكو التي عشقها لوركا ودرسها، مع أغنية تؤديها السوبرانو الأميركية داون ابشو التي تؤدي دور مارغريتا خيرغو. تروح تتذكّر لوركا عندما كانت تقدّم مسرحيّته “ماريانا بينيدا” في الأوروغواي عام 1969. فبعد ثلاثة عقود، ما زالت تشعر بالندم بسبب عجزها عن انقاذ لوركا من الإعدام: لو أنّها أصرّت عليه لمرافقتها الى كوبا يومها في جولة لعرض هذه المسرحية! تستعيد مارغريتا في هذه اللوحة لقاءها الاول به، وتحاول أن تنقل الى تلميذتها نوريا حماسة أبناء جيلها الذين ناضلوا لإسبانيا، وكانت ماريانا بينيدا مثالهم الأعلى. تلك المناضلة التي أُعدمت عام 1831، إذ رفضت ــــــ بعد اعتقالها ــــــ الكشف عن أسماء رفاقها الثوار. في اللوحة الثانية، تتذكر مارغريتا آخر لقاء مع لوركا حين حاولت إقناعه بمرافقتها الى كوبا قبل اعدامه، ومع بداية المجازر بحق الثوار والشعب. تقول مارغريتا إنّه لا أحد يعرف تفاصيل أكيدة عن عملية إعدام لوركا، لكنّها تصر أنّ لديها رؤية عن كيفية اعتقاله بأمر من أحد ضبّاط الكتائب، ورميه بالرصاص مع اثنين من الثوار. نسمع في هذه اللوحة “فوغة” الرصاص حيث يصور المؤلف الأرجنتيني مشهد الإعدام بلوحة موسيقية تبدأ بأصوات إطلاق النار التي يمتزج ايقاعها الثابت بالايقاع الالكتروني: إنها موسيقى رقصة الموت الأكثر واقعية. اللوحة الثالثة تصور مارغريتا وهي تحتضر: تقول لتلميذتها إنّ “الممثل يعيش لفترة، وصوته يصبح صمتاً، لكنّ آمال الشعوب لا تموت”. تقول هذا بعدما أمضت 30 عاماً في أميركا اللاتينية حاملةً مسرحيات لوركا، وهي تحنّ الى إسبانيا التي منعها الفاشيون من العودة إليها منذ وصول الجنرال فرانكو إلى الحكم. في المشهد الأخير، تدخل روح لوركا إلى المسرح، يمسك بيد مارغريتا وهي تقول: “انا الحرية”. هذه العبارة التي كانت تردّدها المناضلة ماريانا بينيدا.
كلام الصورة: