الجزائر ـــ بشير مفتي
•لبنان «شبح» الشرف... وجاك فيرجيس نجم الموسم

إقبال الجمهور هو الظاهرة الإيجابيّة في «معرض الجزائر الدولي للكتاب» الذي أريد له أن يكون حدثاً استثنائياً هذا العام، وأن يتوّج برنامجاً حافلاً احتضنته «عاصمة الثقافة العربيّة ــ 07». لكن المشاكل عكّرت فرحة العيد...

أعرب كتّاب جزائريون شاركوا في الندوات اليومية التي تقام على هامش «معرض الجزائر الدولي للكتاب» عن استيائهم من تغيّب اللبنانيين الذين أُعلِنت مشاركتهم في المحاضرة الخاصة بلبنان، باعتباره ضيف شرف الدورة الـ12 التي تقام تحت شعار «الثابت والمتحوّل». وقد اعتبرت الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق أنّ تغيّب اللبنانيين هو بمثابة احتقار لقيمة التظاهرة الأدبية، وفق ما جاء في الصحف الجزائرية.
آمال كثيرة عُلّقت على الدورة التي افتُتحت في 31 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم وتستمر حتى التاسع من الشهر الحالي، ليس فقط باعتبارها تتويجاً لتظاهرة «الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007» التي كان يفترض بها أن تصدر ألف كتاب (لم تصدر وزارة الثقافة سوى نصف العدد المذكور)، بل لأنّ الإشراف أوكل هذه المرة إلى الكاتب صلاح شكيرو مدير النشر في مؤسسة الاتصال والإعلان Anep. وقد بذل هذا الأخير كل ما في وسعه لجعل هذه الدورة نموذجية في التنظيم والإدارة... وحتى في النشاطات الثقافية المقترحة.
لكن يبدو أنّ الرياح تجري فعلاً بما لا تشتهي السفن. منذ البداية، شهد التنظيم خللاً كبيراً، وكاد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يمرّ، خلال جولته يوم الافتتاح، على أجنحة فارغة تقريباً، لأنّ صناديق الناشرين العرب بقيت محجوزة في الجمارك، ولدى لجان المراقبة التابعة لوزارة الشؤون الدينية.
يشارك في هذه الدورة 559 ناشراً بينهم 400 دار أجنبية من 27 دولة، بينها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وسويسرا وألمانيا، وتشارك أميركا اللاتينية للمرة الأولى على غرار الولايات المتحدة والبيرو، إضافة إلى دول عربية مثل مصر والمغرب وسوريا ولبنان. وبيروت هي ضيفة شرف التظاهرة التي تقام في قصر المعارض في العاصمة على مساحة تبلغ 14700 متر مربّع فيما تبلغ كلفة استئجار الجناح حوالى 2600 دولار أميركي. أما العناوين فيبلغ عددها 82 ألفاً معظمها صادر قديماً وتراوح بين الأدب الكلاسيكي وكتب المعلوماتية، وصولاً إلى الكتب
الدينية.
بالطبع كان يُتوقّع أن تحدث مشاكل في المعرض مثلما حدث في الدورات السابقة، ولا سيما في ما يخصّ السيطرة على دور النشر ذات التوجه السلفي. إلا أنّ ما حدث في هذه الدورة هو العكس. وها هم أصحاب الدور الدينية يتسلّمون كتبهم في الوقت المناسب في حين أنّ دور النشر المهمة و«الحداثية» وجدت نفسها في مأزق. على سبيل المثال، ما زال أصحاب دور مثل «دار الفارابي» و«دار الآداب» و«منشورات الجمل» و«المركز الثقافي العربي» ودور مغربية عدّة ينتظرون في الأجنحة الفارغة، وصول كتبهم من الجمارك، ما اعتبره المعنيّون «رقابة غير مباشرة» أو رقابة أمر واقع على إصداراتهم. ومنعت وزارة الشؤون الدينية حوالى ألف كتاب بحجة أنّها «تحرّض على العنف والتطرّف والإرهاب». وصودر كتاب «زنزانات الجزائر» لمحمد بن شيكو مدير صحيفة «لوماتان» الممنوعة. وقد صرّح شيكو بأنّ كتابه الذي يتناول يومياته في سجن الحراش الذي أمضى فيه سنتين، سُحب مباشرة بعدما دشّن بوتفليقة
المعرض. لنقطة الإيجابية الوحيدة في هذه الدورة، هي الجمهور الكبير الذي يتدفق على المعرض. وقد لفتت النظر مبادرات بعض دور النشر الجزائرية لتسويق إصداراتها الجديدة عبر حفلات توقيع كتب مبرمجة سلفاً تجمع المؤلف بقرّائه. وأثارت الاهتمام اللقاءات الأدبية التي تقام في قاعات عدة خصصت لهذا الغرض. وكما ذكرنا، شهد المعرض اعتذار العديد من الكتّاب والكاتبات العرب عن عدم الحضور، مثل اللبنانيين حنان الشيخ وجمانة حداد وزاهي وهبي، والروائي المصري علاء الأسواني، والمفكر محمد أركون. وكانت سرت تصريحات أكّدت حضور أركون التظاهرة في مناسبة إعادة طبع أحد كتبه عن «منشورات البرزخ» التي يشرف عليها الكاتب سفيان حجّاج، إلا أنّ ذلك لم
يحصل.
في المقابل، حضر كتّاب جزائريون يكتبون بالفرنسية ليواكبوا إطلاق الطبعة العربيّة لأعمالهم... مثل ياسمينة خضرا الذي سرت شائعات قويّة لم ينفها أو يؤكدها المعنيون، مفادها أنّ الرئيس بوتفليقة عرض عليه إدارة المركز الثقافي الجزائري في باريس. وقد حضرت مليكة مقدم صاحبة «رجالي»، وبوعلام صنصال، وبعض الشخصيات الفرنسية مثل المحامي جاك فرجيس الذي تحوّل إلى نجم المعرض، إذ التف حوله الكثير من القرّاء والمعجبين من كل حدب وصوب.
وكانت وزارة الثقافة الجزائرية رفضت تعريب ثلاثة كتب مدرجة في قائمة الإصدارات المقررة، في إطار تظاهرة «الجزائر عاصمة ثقافية عربية»... وهي «بريد الجزائر» لبوعلام صنصال، و«الاعتداء» لياسمينة خضرا و«رجالي» لمليكة مقدم. وخلال هذه الدورة، عرضت وزارة الثقافة الكتب التي أصدرتها في مناسبة تظاهرة «الجزائر عاصمة الثقافة العربية». والمؤسف أنّ نسبة كبيرة من هذه الكتب لا تعدو كونها عبارة عن إعادة نشر أعمال لم تنفد طبعاتها السابقة في السوق. وهذا ما يضع وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي في مأزق حقيقي، ولا سيما أنّها وعدت رئيس الجمهورية بطبع الألف كتاب التي اقترحتها لهذه المناسبة، وكان آخر أجل هو موعد المعرض.
على رغم الجو الماطر والبارد في الجزائر، لا يزال المعرض يشهد إقبالاً... فيما بدأت النشاطات الثقافية بلقاءات سريعة ترتبط ببعض الأعمال في انتظار حضور كتّاب عرب مدعوّين مثل الروائية السورية هيفاء
بيطار.