التيار «التجريبي الشعبي» في المسرح العراقي لم يولد مصادفةً، إذ كانت له جذور رافقت نشوءه ومراحل تطوره، ولا سيما في مسرحيات يوسف العاني وابراهيم جلال وسامي عبد الحميد، وهم من الرواد الأساسيين في حركة المسرح منذ الأربعينيات. يعتمد هذا الاتجاه الذي تنتمي إليه مسرحيّة مهنّد هادي، على الحداثة شكلاً ومظهراً خارجياً، وعلى المحتوى الانساني والنزعة الشعبية نسيجاً. وقد تطور لاحقاً مع ما قدّمه قاسم محمد وعزيز خيون وعوني كرومي وسواهم. ولم تعد النزعة التجريبية تقتصر على تقديم المسرحيات العالمية المترجمة كما هي. بل تجاوزت ذلك إلى «تعريقها» وتقديمها بأشكال جديدة تناسب الواقع المحلي. وشهدت صالات العرض العراقية في السبعينيات والثمانينيات مسرحيات «البيك والسائق» من إخراج ابراهيم جلال المقتبسة عن «السيد بونتيلا وتابعه ماتي» لبريخت، و«هاملت» لسامي عبد الحميد عن شكسبير، و«الإنسان الطيب» التي أعدها عوني كرومي عن «روح شيتشوان الطيّبة» لبريخت أيضاً. ونماذج أخرى أعادت صوغ القالب ما بعد الأرسطي، بأشكال محلية تناسب الواقع أو تقترب من أشكاله، مع اختيار العامية لغة الحوار.
كذلك النصوص التي ألّفها فاروق محمد وعواطف نعيم وكريم السوادي استفادت من هذا المنحى ولم تخلّ بالمعادلة بين متطلبات الشكل الحديث ومقاربة مشكلات الوجدان الشعبي.
وإذا كانت تجارب مسرحية عدة نجحت في ذلك، وعمّقت تيار التجريبية الشعبية، فإن مثيلاتها في العقد التسعيني فشلت فشلاً ذريعاً بعدما ظهر تيار جارف شجّعته المؤسسات الثقافية الرسمية سُمّي المسرح التجاري، وركّز على التهريج والسطحية، والبحث عن النجاح السريع. وقد رضخ بعض المسرحيين المرموقين لإغراءاته مؤقتاً، لكنّهم سرعان ما تخلّوا عنه بعدما اكتشفوا عقمه وفجاجته. إن الواقع الراهن في العراق اليوم يقدّم مادةً غزيرةً للمسرحيين، لكن درجة التردّي تحول بينهم وبين تقديم رؤاهم إلى هذا الواقع... إلى متى سيبقى المسرح العراقي مكمّماً؟