خليل صويلح
ما يكتبه حسن عجمي يقع في باب الوصفة الطبية في تشريح أمراض المجتمع العربي. إذ إنّه أنجز مجموعة من الأبحاث التي تعتمد هذه المنهجية تحت عناوين مثيرة مثل «السوبر حداثة» و«السوبر أصولية»، و«السوبر مستقبلية». وفي كتابه الجديد «السوبر تخلف» (الدار العربية للعلوم ــــ ناشرون، بيروت)، يطلق رصاصة الرحمة على المجتمع العربي، حين يرى أنه نموذج «للسوبر تخلف». هذا المجتمع «يطوّر التخلف بتقديم الجهل على أنه علم». وبناءً على هذه الفكرة اليقينية يصل باكراً إلى نتيجة أنّ المجتمع العربي باستخدامه العلم من أجل التجهيل خرّج أجيالاً من الإرهابيين بدلاً من العلماء. ثم يزيد الجرعة أكثر فيُخرج هذه الأمة بأكملها من التاريخ والفلسفة والمنطق لتتحوّل إلى قبائل متقاتلة تفتقر إلى معنى وجودها. هكذا، يفرش خرائطه الفلسفية بنوع من التهكم والسخرية، ويستعرض غياب المعنى في مفردات مثل العلم والعنف والقمع والإرهاب والعدالة والبيئة والعقل والحرية والديموقراطية والمقدس. إذ يُدخل هذه المصطلحات إلى مختبره الشخصي ليصل ببساطة شديدة إلى نتيجة تقول بغياب كل مبررات العلم والتطور.
بحسب عجمي، أمسى رفض المنطق صفة أساسية للخطاب العربي المعاصر، ما يؤكد مرة أخرى خروج العرب من سكة الحضارة والتاريخ «بالمنطق نحيا وباللامنطق نموت». وينتقد عجمي أطروحات محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي، معتبراً إيّاها نفياً للعقل، لأنها تنفي الآخر وتفتقر إلى أصول البحث العلمي، ما يوقعها في التناقضات والغيبية.
وفجأة يعرّج على الشعر بحثاً عن معنى، ويجد دون عناء أن معظم الشعرية العربية المعاصرة ترفض المعنى، فيطيح محمود درويش وأدونيس باعتبارهما يكتبان شعراً بلا معنى. في قراءة معادلة الجسد، يشير عجمي إلى أنّ العرب فقدوا أجسادهم بعدما فقدوا عقولهم «فحياتنا موت متكرر لأننا تائهون في مجاهل أجسادنا الافتراضية، ومن هنا ليس مستغرباً رفض الجسد من طريق العمليات الانتحارية».
هذا البحث المستمر عن المعنى في الظواهر العامة ونفيه معاً، لا يخرج في نهاية المطاف عن أفكار مستقرة غير قابلة للجدل، فهي قناعات راسخة لدى عجمي وتمر في الفرن نفسه على شكل أقراص من الحكمة التبسيطية التي لا ترقى إلى اللغة الفلسفية التي يسعى إليها. إذ تصل أحياناً إلى مستوى العبث والرفض المجاني لكل ما يجافي أفكاره وقناعاته من طريق معادلات هندسية، ليس بالضرورة أن تكون نتائجها صحيحة لأنها تعمل على السطح من دون التوغل في العمق. كأن يقول «العلم مفيد نظرياً وعملياً، أما الخرافة فغير مفيدة لا عملياً ولا نظرياً». وهناك أمثلة كثيرة على هذه الشفوية في معالجة أفكار كبرى، كأن الأمر يتعلق بفطيرة مناقيش وكمية الزيت والصعتر التي تحتاج إليها، حتى لو كانت نكهتها الحقيقية في مكان آخر. لكن حسن عجمي على أي حال «متفلسف» مسلٍّ في أوقات الفراغ.