strong>محمد خير
• أشباح بني سويف تعود إلى دار الأوبرا

نورا أمين وريهام عبد الرازق تتنافسان على صولجان «مهرجان المخرجة المسرحية» في القاهرة. جولة على كواليس الدورة الثانية التي يرافقها سيل الانتقادات: من مخاطر الوصاية الرسميّة... إلى فخّ التصنيف الجنسوي للإبداع

«كيلو بامية، القطة العمية، سرقت قميصي الإنكليزي» بتلك الكلمات التي تنتمي إلى فولكلور الطفولة المصرية، اندفع الممثلون في عرض «ياما في الجراب» داخل «المسرح المكشوف» في «دار الأوبرا» المصرية. وقد جاءوا من خارج المسرح يتقافزون بألوان البهلوانات خلال العرض الذي قدمته المخرجة دعاء طعيمة، ضمن فعاليات الدورة الثانية من «مهرجان المخرجة المسرحية». المهرجان الذي تنظمه «هيئة قصور الثقافة المصرية» حتّى 19 الجاري، أثار جدلاً وحفاوةً ورفضاً، وأثار أيضاً بعض الحنين. إذ إنّ عرض «ياما في الجراب» هو من تأليف المسرحي الراحل صالح سعد، وهو أحد أبرز شهداء محرقة مسرح بني سويف (أيلول/ سبتمبر عام 2005 ، حريق مسرح تابع لقصور الثقافة في المدينة الواقعة على بعد 100 كلم جنوبي القاهرة، ذهب ضحيّته 45 فناناً وناقداً ومشاهداً). وعلى البرنامج شهيد آخر سقط في المأساة نفسها، هو الشاعر والمسرحي الراحل مؤمن عبده الذي يشارك في المهرجان من خلال نصّه «مرة واحد بيحلم» للمخرجة عفت بركات. أما المخرجة عفت يحيى فقد انسحبت بعرضها المميز «ذاكرة المياه» قبل ساعات من بداية المهرجان ليقتصر التنافس على عروض لعشر مخرجات هنّ إضافة إلى طعيمة وبركات: منى أبو سديرة تنافس بعرض «الشوكة» (تأليف فرانسواز ساغان)، نجوان وحيد بعرض «هموم الآخرين» (تأليف يورغوس سكوريتس)، عزة الحسيني بـ«صور ماريا» (ليديا شيرمان)، رانيا زكريا تشارك بـ«أصوات العائلة» (هارولد بنتر). إضافة إلى مسرحية «حياة للذكرى» تأليف وإخراج نورا أمين. وتشارك المخرجة ريهام عبد الرازق بعرض «كلام في سري» للمؤلف عز درويش، بينما تكتب وتخرج مروة فاروق عرضها «جنون عادي جداً». أما المخرجة سميرة أحمد فتقدم مسرحية «بيانو للبيع» لفرانس كرانثي.
يبدو المسرحي عبد الناصر حنفي سعيداً باستمرارية فكرته ونجاحها. قبل عامين، تقدم بالمشروع إلى وزارة الثقافة، وها هو يشهد الدورة الثانية للمهرجان الذي يرى فيه خطوةً مهمةً لدعم مخرجات المسرح المصري. وحنفي أحد أهم منظمي المهرجان الذي يديره الشاعر محمود نسيم، وترأسه الفنانة سميحة أيوب. وهو أيضاً مدير تحرير النشرة اليومية للمهرجان. يقول حنفي إنّه أجرى إحصاءً اكتشف عبره أنّ مسرح الدولة وقصور الثقافة قدّم أكثر من 70 مخرجة مسرحية بين عامي 1990 و 2005، لكن لم يبق منهن سوى عدد محدود جداً. «باقي المخرجات اختفين تماماً» يقول عبد الناصر حنفي ويضيف: «إحدى المخرجات من منطقة العريش لم تبتعد عن المسرح فقط بل تنقبّت أيضاً».
من هنا جاءته فكرة المهرجان التي بدأت بورشة مسرحية في محافظة الإسكندرية، انتقت 46 شابة لديهن مشاريع مسرحية. ثم تمّت تصفيتهن إلى 17 ثم إلى 9 فقط. اليوم تشارك اثنتان منهن في الدورة الثانية من المهرجان. يدهش حنفي الوضع البائس للمسرح، لأنّ «عدد الممارسين للنشاط المسرحي في مسرح يفوق جمهور الأدب» يتحدث عن أكثر من 1000 عرض مسرحي سنوياً في مختلف أقاليم مصر، لكنّها محرومة الإمكانات. «في إحدى المسابقات الكنسية، قدم المتبارون 528 عرضاً. والكارثة أنه لا أحد يهتم بتلك الأرقام بل لا يعرفونها أصلاً». ثم يعود للمخرجات «كل واحدة جاءتنا، فعلت ذلك لأننا ذهبنا إليها. في القاهرة وفي الأقاليم، دفعنا باتجاه تشجيع المخرجات. المشكلة أنّنا في قصور الثقافة لسنا جهة تمويل مهرجانات. لم ندعم العروض التي تتنافس في المهرجان لكنّنا نحاول التحايل على ذلك. بعض العروض أنتجتها نوادي المسرح التابعة لـ«قصور الثقافة» بميزانيات محدودة جداً. التخلف الاجتماعي يحارب المخرجات أكثر مما يفعل الروتين الإداري». هكذا تجد مخرجات تم اعتمادهن رسمياً في وزارة الثقافة، لكنهن لم يستطعن أن يقدمن في تاريخهن أكثر من عرض واحد. ويأتي المهرجان في سياق دعم وجود المرأة في الوسط
الإبداعي.
كل هذا الحديث عن دعم العمل الإبداعي النسوي لم يقنع المخرجة المسرحية منال إبراهيم. فهي رفضت المشاركة أو الارتباط بالمهرجان بأي شكل. بحزم تقول: «ليست لي أي علاقة بذلك المهرجان. هذا عمل تصنيفي مشابه لدعاة الأدب النسائي والفنّ النسائي. وهو يبتعد بالإبداع عن سياقه الإنساني ليحصره في خانة التصنيف الجنسوي». رفض منال إذاً هو رفض مبدئي لـ«فكرة» المهرجان، وهو قريب من رفض آخرين رأوا المهرجان مقارباً لأفكار مثل «عربة السيدات في المترو» و«الكوتا الثقافية» و«مظهرية نخبوية مفرغة من العمل
الحقيقي».
ولا بد من التوقف عند انتقادات أخرى، من داخل المهرجان ذاته. أحمد زيدان الشاعر والناقد المسرحي، يدعم هذه الفكرة «النبيلة»، لكنّه ينظر بعين الشبهة إلى الاهتمام الرسمي الذي يغرق المبادرة في فخّ ما بات يعرف بـ«ثقافة المهرجانات». وهي ثقافة لا تعنى بالتطوير الحقيقي، وتعميق الإبداع في البيئة الاجتماعيّة، بل تكتفي بالاستعراضيّة والمناسباتيّة. يقول زيدان: «من الجميل أن ننظم الدورة الثانية لمهرجان المخرجة. لكن أين مسابقة «مسرح الأقاليم» التي تضم مئات الفرق المسرحية رجالاً ونساءً؟ إنها متوقفة لأسباب مجهولة منذ أربع سنوات. وهي بالتأكيد أولى بالرعاية من مهرجان المخرجة المسرحية». ويبرهن ذلك ـــــ بحسب زيدان ـــــ على تلك النزعة الرسمية الى إفراغ كل الفعاليات من مضمونها. فـ«المهم البروباغندا واحتفاء الإعلام».
وبعيداً عن الانتقادات المبدئية منها والعابرة، يشهد المهرجان إقبالاً طيباً ربما أسهمت فيه مجانية العروض. وتبدو الفرصة الأقوى في المسابقة ـــــ بعد انسحاب عفت يحيى ـــــ لمصلحة نورا أمين وعرضها «حياة للذكرى»، وعرض «كلام في سري» لريهام عبد الرازق الذي انتزع جائزة أفضل عمل جماعي في «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي» في أيلول (سبتمبر) الماضي.