strong>بيار أبي صعب
اليد هي التي تحرّك الجسد. الجسد كتلة فوق أرضيّة، ميتافيزيقيّة، تشتعل في حالة انخطاف قصوى، بعد رحلة دقيقة، منمنمة، تفصيليّة، بطيئة، من الجمود إلى الانفجار الارتعاشي. نحن في بيروت، في «مسرح المدينة»، في افتتاح مهرجان «نقاط لقاء». أمامنا على الخشبة جسد. راقص واحد، وسط فضاء فارغ. لوقت طويل لن يتحرّك من بقعته. سيرقص في مكانه. وحدها في العمق شاشة هائلة. علامات الزمن المؤتمت، كما يمكن أن تراه من اليابان، قدم في فنون القتال البدائيّة وأخرى في دوامة الهذيان التكنولوجي. الشاشة تعكس ذبذبات الأعماق التي يلتقطها ربّما جهاز خفي، يحوّلها أمامنا إلى اشارات الكترونيّة. والجسد يرجّع صدى الذبذبات، تكهربه تلك الطاقة غير المنظورة فيتحرّك على وقعها. هناك أصوات وايقاعات الكترونيّة أيضاً. إضاءة زرقاء وبنفسجيّة تتماهى مع الظلال. خطوط تمسح الشاشة البيضاء من أعلى إلى أسفل، كأنّها ترددات رادار غامض، يلتقط اشارات من خارج الأرض على الارجح، أم جهاز لتخطيط الروح؟...
الشاشة هي الديكور الوحيد في عرض «مخطط متراكم»، يسند الخشبة العارية التي وقف في وسطها جسد صغير، جسد بسيط... هو جسد الراقص الياباني هيرواكي يوميدا (مصمم العمل أيضاً، ومهندسه). لا أحد يتصوّر كيف سيتصاعد التوتّر من البداية المتسكينة، المقتصدة في الحركة، إلى الانفجار الذي يختفي معه الجسد، ليصبح مجموعة تجليات وحركات وخطوط واشارات كونيّة. إنّه مخزن الطاقة والديناميّة والحركة... جسد خفيف، سنراه يطير، متغلباً على قوانين الجاذبيّة. كل عضلة تعمل على حدة، وكل جزء قادر على المبادرة بمعزل عن سواه... لكن الكلّ يحتضن الاجزاء في هارمونيا وتناغم مذهلين. لذلك نحار إذا كان علينا أن نتعامل مع هذه المهارة، في العملين المتتاليين («مخطط متراكم» و»أثناء دخول الحالة»)، بوصفها مهارة «تقنيّة» و»عضليّة» و»عصبيّة» فقط، أم إذا كانت المقاربة داخليّة أساساً، «جوّانيّة» و»صوفيّة». خلاصة عمل دؤوب لتجسيد حكمة عريقة في السيطرة على الذات. انفجار روحاني يعطي لحفيد الساموراي قدرته الفظيعة على الاهتزاز أمامنا، ورسم خطوط ودوائر وأشكال بيده أو برأسه، بجذعه غالباً، قابضاً بحزم على نقطة الثقل، أي المركز الداخلي الذي يحفظ التوازن. إنّه توازن على حافة الاختلال الدائم... والثبات الأقصى أيضاً.
اليد هي التي تحرّك الجسد. والجسد كلّه يرقص ليلحق اليد، يطيعها طاعة عمياء. الأصوات تخترق الجسد، تكهربه، فيزيد توتراً. إنه جسد شفاف يترك الخارج يعبره. جسد خارج الجاذبيّة، يأخذ معه المدينة المضيفة. بيروت خارج الجاذبيّة مع عروض «نقاط لقاء» المتنوّعة والمتعدّدة.
هذا الحدث الثقافي الفريد من نوعه يقام حالياً في أماكن ومدن مختلفة. البرمجة متعددة الأنواع الابداعيّة، تحمل توقيع فري لايسن. إذ تجمع الفنون البصريّة والمشهديّة إلى المسرح والفيديو والموسيقى والرقص والسينما والموسيقى. برمجة متعددة الفضاءات أيضاً، إذ تشتبك عندها المدن، لتشكل عالماً افتراضياً متكاملاً يوحّد بين أجزائه عشرات الفنانين من العالم. بينهم جيل جديد غير مكرّس من المبدين العرب: خليل رباح، وليد رعد، شريف العظمة، روي سماحة، شريف واكد، أمل قناوي، كاميليا جبران، رامي صبّاغ، ربيع مروّةل، إيتو برادة، وائل شوقي، يتنقلون بين دمشق والاسكندرية وبرلين وعمّان والرباط والقاهرة وبروكسيل وبيروت والمنيا وتونس ورام الله.
بعد الراقص الياباني المذهل هيرواكي يوميدا، زارت بيروت فرقة Grupo de Ruo de Niterio، حاملة معها صخب الشارع ورقصه وثقافته، لتقدم ثلاثة أعمال متلاحقة في عرض واحد. مشاهد تضج بالحركة والايقاع، توظف رقص الشارع، ومفردات الراب، وتمتد جذورها إلى تقليد برازيلي عريق هو رقص المحاربين المعروف بـ La Capoeira
المستمد من فنون القتال التي تحولت مع السنوات على يد «العبيد». ثم صفق الجمهور للمغربيّة بشرى ويزكان («عيطة)... في انتظار موعدين مهمّين هذا الويك اند: مسرحيّة «دم جاف وخضراوات طازجة» للايراني أمير رضا كوهستناي (السبت، 8 ونصف، «مسرح المدينة»)، وعرض راقص للثنائي التونسي سلمى وسفيان ويسي صوفي النبرة والملامح بعنوان «وجد» (الأحد، 8 ونصف، «مسرح دوّار الشمس»). أما هواة الموسيقى الالكترونيّة فموعدهم غداً السبت بعد العاشرة ليلاً في نادي Basement (حي الصيفي) مع الثنائي محمود والي وموريس لوكا في «بيكيا» (مصر) حيث تلتقي الصوتيات (الأكوستيك) بعالم التجريب الالكتروني.