كان محمد السادس خصَّص مبلغ خمسة مليارات سنتيم (أكثر من 5 ملايين دولار) دعماً سنوياً للصحافة الوطنية، سيراً على نهج دعم الصحافة المكتوبة الذي سنَّه والده. لكن، إذا كانت الصحافة المغربية حتى تلك المحسوبة على أحزاب المعارضة، تحظى بالدعم الحكومي ودعم القصر، فإن الصحافة الساخرة ما زالت غير مُرحَّب بها في المغرب. الخطوط الحمراء تنتصب أمامها بالطول والعرض. وكل الصحف الساخرة التي صدرت في البلاد كان مصيرها التوقيف والمنع. البداية مع أسبوعية «أخبار السوق» التي صدرت في نهاية السبعينيات، وضمّت نخبة من أبرز رسامي الكاريكاتور المغاربة، ووصلت أرقام مبيعاتها إلى 100 ألف نسخة، وذلك قبل اعتقال مديرها حميد البوهالي الذي وجد نفسه، بعد مغادرته السجن، مجبراً على العودة إلى مدينته «الصويرة» حيث يعيش حالياً من بيع الصور التذكارية للسياح. ثم أصدر الفنان الساخر أحمد السنوسي الملقب بـ«بزيز» جريدة «الهدهد» في ثمانينيات القرن الماضي. وكانت توجّه نقداً لاذعاً للحكومة، قبل أن يُصدر وزير الداخلية السابق إدريس البصري قراراً بتوقيفها. وأخيراً، أصدر الصحافي علي المرابط أسبوعية «دومان» (الغد) الفرنكوفونية مع بداية الألفية الجديدة، لتتوقف إثر صدور حكم بالسجن على مديرها في أيار (مايو) 2003، بسبب كاريكاتور اعتبرته المحكمة «ماسّاً بالمقدسات». وعلى رغم أن المغرب يبقى من البلدان العربية القليلة التي تضم رسامي الكاريكاتور في نقابة خاصة، ظلّ هؤلاء لعقود محرومين من فرص حقيقية لممارسة مهنتهم، وإبراز طاقاتهم في صحف ساخرة متخصصة، ربما لأن السياسيين المغاربة لا يريدون الاقتناع بسهولة بوجهة نظر الرئيس الألماني السابق يوهانيس راو الذي قال مرة: «إنه لأمر سيئ أن تتناولنا نحن معشر السياسيين الرسوم الكاريكاتورية. لكن الأسوأ منهُ تحديداً هو حينما لا تتناولنا هذه الرسوم». لكن الكاريكاتور بدأ يسجل حضوراً ملحوظاً أخيراً في عدد من الجرائد المغربية المستقلة. وهكذا خصصت صحف يومية حديثة العهد كـ«المساء» و«الصباحية»، حيزاً يومياً مهماً للرسوم الكاريكاتورية والتعليقات الساخرة. وعلى النهج نفسه، سارت صحف أسبوعية أخرى مثل «الوطن الآن» و«الأسبوعية الجديدة»، إذ خصصت كل واحدة منهما صفحة كاملة للكاريكاتور. وتأتي صحيفة «الانتهازي» لتتخذ من السخرية والكاريكاتور خياراً تحريرياً استراتيجياً. فهل سينجح المنبر الجديد في استغلال الهامش الديموقراطي الذي يعرفه المغرب لمراوغة الرقيب والإفلات من قبضة المنع؟
عموماً، نتمنى حظاً سعيداً لهذه الأسبوعية الجديدة في المهمة الصعبة التي اضطلعت بها: مطاردة الانتهازيين أينما كانوا، وكيفما كانوا، ومواجهتهم بسلاح من نوع خاص، يفتح الجرح وينظّفه، من دون أن تسيل قطرة دم واحدة... إنه سلاح السخرية والكاريكاتور.