خليل صويلح
رفض «كيان من الأكاذيب» لريدلي سكوت ووثائقي bbc عن صدام حسين، لأنه لمس فيهما إساءةً إلى العرب والإسلام... الوسط الفني السوري لم يسامحه على نجاحه العالمي، فمضى إلى مصر ليصبح قائداً فلسطينياً يهرّب السلاح إلى المقاومة

ارتبط اسم غسان مسعود بالمسرح ممثلاً ومخرجاً. كان دوره في مسرحية «سكان الكهف» (1986) مع المخرج الراحل فواز الساجر منعطفاً في حياته المسرحية. وسيبقى هذا العرض على وجه التحديد انقلاباً في الحياة المسرحية السورية بأكملها. آنذاك، راهن المخرج الراحل على قوة المشاعر وأهمية الحبّ في صناعة البهجة، فقد كان نص وليم سارويان مرثيةً للمسرح نفسه، مثلما كان الوصية الأخيرة للساجر. بعدها، وجد مسعود في المسرح عزاءه وتطلعاته، فأنجز عروضاً بمشاركة المسرحي العراقي جواد الأسدي، وأخرى حملت توقيعه ممثلاً ومخرجاً، في أعمال لافتة مثل «كسور»، و«فوضى»، و«دبلوماسيون».
نجاحه المسرحي أبعده عن التلفزيون، عدا إطلالات متباعدة. واختاره هيثم حقي ليؤدي إحدى شخصيات «سيرة آل الجلالي»، فانهالت عليه أدوار مشابهة، حاولت تأطيره في الشخصية ذاتها (المثقف)، فعاد إلى الخشبة من موقع المخرج.
المنعطف الثاني في حياة غسان مسعود سيكون مع السينما العالمية، حين اختاره المخرج ريدلي سكوت، ليلعب دور صلاح الدين الأيوبي في فيلم «مملكة السماء» (2005). وبين هذين التاريخين، عاش مسعود مكابدات طويلة، ودفع فواتير ضخمة في الحفاظ على نزاهتة بصفته فناناً، خارج دائرة المساومات والعلاقات العامة.
يقول متذكراً تلك الفترة: «أن تكون ممثلاً مسرحياً، فهذا يعني أن تُنفى خارج العمل التلفزيوني، وبوضوح أكبر، ينبغي أن تُعاقب. أنا حسب المواصفات التلفزيونية ممثل مسرحي لا أصلح للشاشة، مع العلم أن خيرة ممثلي المسرح نجحوا في السينما مثل مارلون براندو وآل باتشينو». ويضيف موضحاً: «عموماً، حققتُ نجومية مسرحية في بلد بلا مسرح، وهي على أي حال أصعب من نجومية التلفزيون، في وقت كنت أستدين فيه أجرة التاكسي للذهاب إلى المعهد العالي للفنون المسرحية».
لكن هل نجاح السينما العالمية، سيُبعد غسان مسعود عن المسرح؟ يجيب بالنفي، قائلاً: «المسرح بالنسبة إلي هو المبتدأ والخبر، ولن أدير له ظهري. وقريباً، سأعود بمشاريع مسرحية مختلفة».
ويعترف مسعود بأن مشاركته هذا الموسم في مسلسل «الهاربة» لم ترق إلى مستوى طموحاته، «لكنني تضامنت مع سوزان نجم الدين في إنتاجها التلفزيوني الأول، على رغم خشيتي من أن تقع في مصيدة تفصيل النص على مقاس البطلة. وهو ما حدث في «الهاربة» إذ وضعت نجم الدين صورتها منفردة على ملصق العمل». ويستدرك: «أشتغل بعض الأدوار من دون قناعة، وذلك بفعل الجاذبية: جاذبية الضوء والمال. لأنني إذا أردت البحث عن الدور الذي أحلم به، فسأنتظر خمس سنوات على الأقل».
ويوضح أن عمله في السينما أنقذه من «براثن» التلفزيون، وفتح أمامه آفاقاً وخيارات أكبر، فبعد فيلم «القنّاص» مع المخرج المصري أحمد سمير الذي لعب فيه شخصية قائد فلسطيني يهرّب أسلحة إسرائيلية للمقاومة الفلسطينية، يقرأ سيناريو فيلم ثان بعنوان «تقابلنا قبل أن نتقابل» إنتاج «استديو مصر» وإخراج هشام الشافعي، ويلعب فيه دور مصمم أزياء.
ويشير مسعود إلى أنّ تجربته في العمل مع مخرجين عالميين، مثل ريدلي سكوت، علّمته كيف يكتشف صلابة الأرض التي يقف عليها، فهو يدرك كيف يتعامل اليوم بمعايير عالمية لصقل الشخصية، سواء خلال نص محلي أو عالمي. ويقول باطمئنان: «بعد تجارب عدة في السينما العالمية (مثل «مملكة الجنة» لريدلي سكوت، «وادي الذئاب» لسردار أكار ، و«قراصنة الكاريبي» لجود بادرسن)، صارت خياراتي أفضل، ومع شروط يحلم بها الجميع. في المقابل، تعرّضت إلى عقوبات محلية، كأن يُعرض عليّ دور (نص كم)، أو أن تتجاهلني مؤسسة السينما في أفلامها. ليس ذلك فحسب، بل شُنّت عليّ حملة. ومع ذلك، اشتغلت دوراً في فيلم «لقاءات عابرة» مع المخرجة المصرية جيهان الأعصر من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وقدمته هدية إلى المؤسسة. إذ رفضت قبض أجري عن الدور، لأنه كان متواضعاً». ويستدرك قائلاً: «لست قلقاً من الأذى الذي تعرضت له، فهو بشكل ما أفادني، وعلمني كيف أتصالح مع نفسي، وكيف أخط طريقي بفأس حادة». ويتذكر جملةً قالها في مسرحية «صدى» تختزل صورته الفنية: «هذا العالم أعمى، وسأحمل مخرزاً وأخزق عينيه، وعليه أن يراني».
إلا أن وجوده في السينما العالمية عبر مجموعة أفلام، لم يمنع غسان مسعود من المشاركة في السجالات الدائرة حول مستقبل الدراما السورية. هو يرى أن صيغة المؤامرة التي حاول بعضهم ترويجها، ليست واردة على الإطلاق في ما تواجهه المسلسلات المحلية. ويقول: «ليس من مصلحة أحد محاربة الدراما لتصفية حسابات سياسية، لكن يتعلق الأمر بصراع رؤوس الأموال، وعدم تأصيل تقاليد تحمي هذه المهنة من الانحدار. إذ ما زال بعضهم ينظر إلى الممثل بوصفه مهرجاً، لا صاحب مشروع ثقافي، فالفن مهنةً، لا ينظر إليه بجدية». ويشير إلى أن سبب تراجع الدراما السورية يتحمله الفنانون أنفسهم، خصوصاً أولئك الذين عملوا منتجين منفذين، برأس مال مستورد. إضافة إلى أن هذه الدراما شُغلت بموضوعات محلية ووطنية لا تشتبك في أطروحاتها مع ذائقة المشاهد العربي واهتماماته. وهو ما قاد إلى كثافة في الإنتاج، وأزمة في التوزيع. كذلك المنتج السوري جاء للعمل في التلفزيون من باب «البروظة»، وربما من باب تبييض الأموال، أكثر من اهتمامه بالفن نفسه. وهكذا وجدت هذه المسلسلات نفسها في مأزق.
ويختم غسان مسعود بجملة ذات دلالة، تختزل مشواره الفني: «بدأت مستقلاًّ، وسأقفل مدن حياتي مستقلاًّ، ولن أكون بوقاً لأحد». في إشارة إلى رفضه أدواراً في السينما العالمية تسيء إلى الإسلام والعرب، بينها وثائقي «بين النهرين» الذي تنتجه هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن حياة صدام حسين، وآخر بعنوان «كيان من الأكاذيب» للمخرج ريدلي سكوت ويطرح الحرب بين الـ CIA والقاعدة.