خليل صويلح
قبل سنوات، كانت تحتلّ 40 في المئة من المشهد الدرامي العربي، أما اليوم فلا تتجاوز الـ 10 في المئـــة. هـل هناك قرار سياسي في محاربتها؟ أم أنّها بدأت تدفع ثمن الفوضى واستبداد المنتج الخليجي؟ مَن يتصوّر رمضان من دون مسلسلات سورية؟

هل آن الأوان كي تواجه الدراما السورية مصيرها المؤجل، وتدفع ثمن فاتورة الفوضى والارتجال وغياب التقاليد المهنية؟ أسئلة ملحّة تطرق أبواب شركات الإنتاج والعاملين في حقل الدراما اليوم، والمؤشر الأول صعوبة تسويق الأعمال السورية إلى المحطات العربية. وها نحن على أبواب رمضان، ولم تتمكّن معظم الأعمال المنتجة هذا العام من حجز مقاعدها الحصرية على الفضائيات. ما استدعى بعضهم إلى المطالبة بتشكيل لجنة لإدارة الأزمة واتهام الحكومة السورية بإدارة ظهرها للصناعة التلفزيونية. هذه الصناعة التي تحتاج رعاية من أعلى السلطات، خصوصاً أنّها حققت حضوراً لافتاً طيلة العقد الأخير، ووصلت نسبة حضورها إلى 40 في المئة من نسبة البث الدرامي على المحطات العربية، فيما تراجعت اليوم إلى 10 في المئة فقط.
هل هناك قرار سياسي في محاربة الدراما السورية؟ ينفي حاتم علي وجود قرار سياسي معلن، ويستدرك قائلاً: «ربما هناك نفور سياسي لدى بعض الدول العربية، ولا بدّ من أن يلقي بظلاله في تعامل هذه المحطة أو تلك معها، فالأمر يخضع للتجاذب السياسي وصدمات السوق». ويوضح صاحب مسلسل «الملك فاروق» الذي تبثّه «أم بي سي» خلال رمضان، أن الأزمة متعددة الوجوه، فهناك سوء التوزيع، وتنافس شركات الإنتاج في المضاربة في توزيع أعمالها بشكل فردي على حساب «السلة الواحدة». كما يحدث بالنسبة إلى الأعمال المصرية مثلاً، إضافة إلى فقدان الدعم الإعلامي والترويج للأعمال الجديدة، وغياب الخطط الاستراتيجية في تطوير آليات هذه الصناعة». من جهته، يرى الفنان جلال شموط أن الحل يكمن بفتح السوق الداخلية أمام الدراما السورية، عبر إنشاء فضائيات سورية، تستوعب الإنتاج الدرامي المحلي، كي لا يبقى عرضة لأمزجة مدراء المحطات العربية في الموافقة والرفض. عدا ذلك، فإن هذه الدراما ستبقى مرتهنة إلى هذه الشروط. ويعلّق حاتم علي على هذه النقطة: «طالما أن التلفزيون السوري لا يستفيد من الإعلان الذي يبثّ على شاشته، فمن المؤكد أن الدراما السورية ستبقى محكومة بمزاج السوق الخليجية. ويرى أن الحل يكمن في دعم المسلسل محلياً، بمنحه نسبة من قيمة الإعلانات التي تذهب اليوم إلى «المؤسسة العربية للإعلان»، وإلا فالطريق مسدود أمام هذه الصناعة التي تُعد في مصر مثلاً، صناعة ثقيلة».
ويشير علي إلى مسألة أساسية فرضت نفسها على ساحة البث الفضائي، وخلخلت موازين سوق التوزيع، وهي صعود المسلسل الخليجي الذي صار اليوم حقيقة مؤكدة. ولا شك في أنّ لهذا المسلسل أفضليةً بالنسبة إلى المحطات، وهي في أغلبيتها خليجية. والحال، فإن 40 مسلسلاً خليجياً أُنتجت هذا الموسم، ستفرض نفسها على خريطة البث أولاً. كما تنبغي الإشارة إلى أنّ المصريين انتبهوا إلى أخطائهم السابقة، وعادوا هذا الموسم بأعمال ضخمة وجريئة، ستعيد الاعتبار إلى هذه الدراما الرائدة. ويضيف: «هذا إذا تجاهلنا سبباً آخر، لا يقل أهمية، يتعلق بإنشاء المحطات الخليجية شركات إنتاج خاصة بها مثل «أوربت»، و«دبي»، و«أم بي سي». ما يعني أنها ستستغني قريباً عن الإنتاج الدرامي السوري، وتصب اهتمامها تجاه انتاجاتها في الدرجة الأولى».
وتشير سوزان نجم الدين إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ هذه الصناعة الثقافية، وضرورة تدخّل الدولة لحمايتها من الضياع وإنشاء قطاع اقتصادي يرفع من سوية الإنتاج ويسهم جدياً في عملية التوزيع وضرورة إنشاء قنوات تختصّ بعرض الدراما السورية، و«لتكن الانطلاقة بقناة واحدة تستقطب قسطاً وافراً من سوق الإعلان، وهذا من شأنه ضمان استقلال القرار في الإنتاج التلفزيوني السوري، وتحصين الفنان والمنتج السوري من الانجراف وراء مقولات الآخرين، وأجنداتهم السياسية، مؤكدةً أنه بهذا الأسلوب نكون حصّنا أنفسنا وخلقنا نوعاً من الاكتفاء الذاتي». ‏
التحذيرات التي يشير إليها المعنيون في الشأن الدرامي السوري، لها أسبابها المباشرة بالطبع، بدليل أن الإنتاج الدرامي السوري لهذا الموسم، تراجع إلى النصف تقريباً: من 40 مسلسلاً في الموسم الماضي إلى 23 هذا العام. فيما توقفت بعض المسلسلات عن استكمال عمليات التصوير بسبب نقص السيولة المالية، كما أن أغلب هذه الأعمال ممولة من محطات عربية، مثل «زمن الخوف» للمخرج هيثم حقي و«الحصرم الشامي» لسيف الدين سبيعي، و«فجر آخر» لفراس دهني (أوربت)، و«عنترة» لرامي حنا، و«خالد بن الوليد» لغسان عبدالله (تلفزيون الكويت)، و«سقف العالم» لنجدت إنزور، و«ممرات ضيقة» لمحمد الشيخ نجيب (أل بي سي). أما المسلسلات التي أنتجتها شركات سورية، فلم تسوَّق حتى هذه اللحظة، عدا مسلسل «كوم الحجر» لرضوان شاهين الذي تبنته الفضائية الكويتية، «على حافة الهاوية» للمثنى صبح (شركة سورية الدولية) الذي يعرض على قناة «دبي». ولا أحد يعلم مصير مسلسلات الأخرى مثل «الليلة الثانية بعد الألف» لعامر فهد (شركة «ايبلا»)، و«ظل امرأة» لنذير عواد (شركة لين).
بعضهم يفضّل صفة «المؤامرة»، وآخرون «الحصار» و«الفوضى» في تفسير واقع الدراما السورية اليوم، فيما يرى طرف ثالث أنّ تخمة المسلسلات السورية في السنوات الماضية انعكست سلباً على صنّاعها، خصوصاً في تكرار الوجوه نفسها واحتكارها بطولة المسلسلات. ويعلّق مخرج شاب متهكّماً: «هل يُعقل أن نرى نادين ومكسيم خليل مثلاً بدور أم وأبنها في مسلسل، وامرأة وحبيبها في مسلسل آخر؟ بينما سوف يظهر عباس النوري وكاريس بشار هذا الموسم في بطولة ستّة مسلسلات!».