فرح داغر
أخذت الشاشات اللبنانية استراحة صيفية من «التوتّر الأمني»، وانخرطت قبل أيام في السباق الرمضاني. أما المُشاهد اللبناني، فصار يعرف أنّ المشهد بوسعه أن يتبدّل في لحظة، في خضم الانتخابات الرئاسية. وعندما انسحب «المزاج الاصطيافي» بعد ظهر أمس، تاركاً مكانه لديكور العنف المألوف، لم يبذل المشاهد جهداً كبيراً للانتقال إلى صور الأشلاء وحطام السيارات، ولقطات الكاميرا المتوتّرة على الأكتاف، وأسماء القتلى... وحفلة الاتهامات التي سارعت إلى استغلال الجريمة و«توظيفها».
عبارة «التوظيف» استعملها الجنرال عون الذي كان أول الأقطاب السياسيين إدلاءً بتصريحه، كأنّه فهم بسرعة أن الجريمة موجّهة ضدّه قبل أي طرف آخر: ضربة سياسية جديدة من شأنها أن تعبَّئ الشارع المسيحي ضدّه! لكن سمير جعجع لن يسمع نصيحته طبعاً (ولماذا يسمعها؟)، فقد أطلّ على LBC محمّلاً مسؤولية الجريمة لهؤلاء الذين لا يريدون التعاون معنا. باختصار، تعاوَنْ مع الحكيم... وإلا فأنت قاتل!
عاشت الشاشات اللبنانية يوم أمس توتراً ملحوظاً، ونوعاً من البلبلة والارتباك إثر الانفجار الذي أودى بحياة النائب الكتائبي أنطوان غانم، وأوقع عشرات القتلى والجرحى. وكان ملفتاً أن Otv دخلت المعمعة! بعد تعثّر البدايات التجريبية. ها هو المشاهد متسمّر أمام القناة الوليدة التي سارعت إلى بث صور الانفجار، إذ وقع قرب مكاتبها الرئيسية. كانت تلك اللحظة المأساوية نوعاً من اختبار ثانٍ للقناة على المستوى الميداني، بعدما تعثّرت في الاختبار الأول الذي تمثّل في تغطية انتخابات المتن الفرعية، إذ عجزت عن منافسة القنوات المحلية في التغطية الميدانية.
احتلّ لوغو Otv الشاشات الأخرى التي راحت تنقل صوراً التقطتها القناة حصرياً، وذلك في انتظار وصول الآخرين إلى مستديرة الحايك في سن الفيل (المتن الشمالي)... وأخذت حدّة الإثارة تزداد، بسبب التضارب في المعلومات بين المحطات. أفادت Otv أنّ المستهدف بالانفجار كان شخصاً مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ولم تؤكد «المستقبل» في البداية خبر استشهاد النائب غانم. أما «الجديد»، فكانت السبّاقة إلى تأكيد الخبر. نقلته نانسي السبع بصوت مرتعش، عن مصادر أمنيّة، ومصادر في الصليب الأحمر انتشلت جثة النائب الشهيد من سيارته المتكلّسة. وعلى Otv أدلى عون بتصريحه مستنكراً «جريمة الاغتيال»، لكن المذيع جورج ياسمين بقي يؤكد أن غانم تكلّم مع مسعفيه، ويتمنّى له الشفاء العاجل. وكان لافتاً أنّ منى صليبا لم تؤكد خبر الاغتيال على LBC، إلا بعد أن تولّت ذلك المحطات الأخرى.
كانت محاولات إقحام الجريمة في المعركة السياسية قد بدأت على كل المحطات، حين حاولت نانسي السبع أن تعطي الكلام لمواطن يبحث عن زوجته. التقته واقفاً بين الركام مذهولاً، لم يلحق الإفطار، يقول إنّها مفقودة، وإنها تعمل في مبنى قريب. تركت نانسي الهواء لذلك الرجل الذي راح يشتم السياسيين، فيما جورج صليبي، من الاستديو، «يندَه» على نانسي... لأن أحد نواب 14 آذار ينتظر على الخطّ، كي يدلي بدلوه!