محمد خير
عند الاستحقاقات الكبرى، تنقلب شاشات رمضان رأساً على عقب. حتى الأمس القريب، كانت التسلية هي الأساس، والترفيه هو القاعدة. لكن الشهر المبارك يهلّ هذا الصيف، ليجد نفسه في قلب الدوامة، وأمام مواجهات مصيرية. ماذا بقي من ليالي زمان؟
لم يكن أيلول (سبتمبر) قطّ شهراً عادياً. في الماضي وفي الحاضر، كانت للشهر الأسود آثاره عربياً وعالمياً. ولمّا كان رمضان هذا العام شهراً أيلولياً بامتياز، اقتطع أيلول الجانب الأكبر منه، في انتظار الاستيلاء على الشهر الكريم كاملاً في العام المقبل. وقد منحه بعضاً من روحه الحافلة بالأحداث التي تشغل المشاهد عن التلفزيون الرمضاني الشهير.
بحسبة بسيطة، تبرز حقيقة أن رمضان لم يصادف في أيلول منذ 30 عاماً. آنذاك، كانت الحقبة السبعينية خالية إلا من عدد محدود جداً من محطات التلفزيون، وكانت الفضائيات في انتظار 15 عاماً إضافية قبل أن تعلن عن نفسها بخجل. مرّ عام تلو آخر، تكرّست خلالها علاقة شهر رمضان بالتلفزيون. وهي علاقة لا يحكمها ما يمرّ به العالم العربي من أحداث، بل أشهر استثنائية، أشبه باستراحة وسط الصحراء العربية، في واحة الفوازير وألف ليلة وليلة، نيللي وشيريهان، ليالي الحلمية، رأفت الهجان... دراما تستلهم التاريخ وتخلق شخوصاً شبه أسطورية. وقد تواطأت رغبة المشاهد الذي يحتاج إلى الاستراحة من واقعه، مع قرارات أنظمة الرقابة العربية، ما أدى إلى بناء عالم تلفزيوني جميل مهذب، تربوي ومطيع، لا يقترب من السياسة، إلا إذا كانت تاريخية تناقش عهوداً بائدة، ولا يقترب من التقاليد إلا ليمجّد ما كان منها على علاقة «بالجدعنة» والكرم والشهامة.
هكذا خرجت الدراما المصرية من أحداث التاريخ والفدائيين الذين يقاتلون الإنكليز، إلى عالم حاضر يسكن قصور«غاردن سيتي». أما الدراما السورية فظلّت في معظمها تاريخية عروبية، فإذا ما دخلت القرن العشرين طرقت بابه بأعمال كوميدية خفيفة، أو اجتماعيات تحيا عالماً مسطحاً يخلو من السياسة، في معظم الأحيان. وبدلاً من أن تحقق الدراما المصرية أو السورية تطورهما الطبيعي، اتجهتا إلى صدام على صفحات الجرائد، بينما صعدت دراما خليجية ما زالت تعيش في جلباب أهلها، وما زالت صغيرة رغم الزيادة الكبيرة في إنتاجها: نجومٌ ونجمات وقصور وحكايات تملأ شاشات رمضان... إلا أن ثمة تغييراً جلبه معه أيلول الجاري، تغييرٌ يمكن قراءته في خفوت حمّى الملاسنات والصراعات القطرية، وانحسار الحديث عن القضايا التي استهلكها الإعلام السنوات الماضية، من أجور الفنانين إلى عمل النجوم السوريين في مصر، مروراً بانتصار الدراما المصرية على السورية أو العكس. إعلامٌ هادئ في رمضان هادئ بدوره. لماذا؟ الإجابة ببساطة لأن رمضان في مصر مشغولٌ بحبس رؤساء التحرير الأربعة الذين ينتمون إلى الصحافة المستقلّة. وقد لحق بهم رئيس تحرير خامس حزبيّ هذه المرة. والتُّهم تتراوح بين «إهانة الرموز» بينهم نجل الرئيس! «وإشاعة أنباء كاذبة». رمضان الهادئ في لبنان يتابع الاستحقاق الرئاسي بالتأكيد أكثر من متابعته المسلسلات، ويهتمّ بالتوافق أكثر من مشكلة غياب الدراما اللبنانية عن الساحة. أما رمضان السوري الذي أنقذه رئيس الدولة بشراء المسلسلات المحلية التي رفضتها فضائيات عدة لأسباب «سياسية»، فهو الأكثر انشغالاً بالغارات الإسرائيلية، وألاعيب اختبارات القوة بين الحليف الإيراني والخصم ـــــ الراعي الأميركي.
هكذا أصبح الأكثر رواجاً في رمضان، ليس قنوات المنوعات، لكنها، للمرة الأولى، قنوات الأخبار. لم تسمح عادة أيلول بأن تتراكم الأتربة فوق أزرار «الجزيرة» و«العربية» على لوحة الريموت كونترول. وكان اغتيال النائب أنطوان غانم دليلاً إضافياً على غلبة الحدث وانحسار الدراما.
إضافة إلى ما سبق، شغلت جاذبية الحدث صناع الدراما منذ بدأوا التحضير لمسلسلات العام الحالي. في دمشق، ركز المؤلفون والمخرجون على المواجهة مع إسرائيل (راجع «الأخبار، عدد أول من أمس). أما في القاهرة، فلم تقتصر هذه الدراما على الاقتراب من قضايا اجتماعية حساسة، كالاغتصاب في مسلسل يسرا «قضية رأي عام». بل إن صناع المسلسل وجدوا ضالتهم في حادثة اغتصاب واقعية شهيرة، هي حالة الطفلة هند التي اغتصبها أحدهم، فحبلت وأنجبت وهي بعد في الثانية عشرة من عمرها. فإذا بمنتج المسلسل جمال العدل، في لقائه مع «العربية. نت»، يستخدم حالة هند في سياق الحديث عن مسلسله»، على سبيل الدعاية له. ويؤكد أن قضية الطفلة هند أحدثت حالة من التعاطف مع مشهد اغتصاب يسرا ورفيقتيها في المسلسل، وهو المشهد الذي واجه محاذير رقابية مصرية، طالت لقطات منه بالحذف. قليلٌ من التأمل يكشف عبث الموقف، فالدراما لا تؤسس للتعاطف مع ضحايا الواقع، بل إن ضحية الواقع (هند) تؤسس التعاطف مع الدراما (يسرا)!
أما مسلسل «يتربى في عزّو» أكثر مسلسلات الفخراني ابتعاداً عن التراجيدية، فإنه يستعير من الواقع المصري، الابن إبراهيم (أحمد عزمي) الذي ينتمي إلى حركة «طلاب من أجل التغيير». وبغض النظر عن طبيعة الدور الذي يظهر فيه الشاب حاقداً أكثر منه ثورياً، فإن المسلسل بثّ لقطات متعددة أظهرت مظاهرات الجامعة، ثم اعتداء البوليس بالعصيّ على المتظاهرين، وهي لقطات سمح التلفزيون المصري بعرض بعضها للمرة الأولى، فيما منع مشاهد أخرى، يهتف فيها أحد المتظاهرين: «الفساد والمحسوبية خلّو مصر مهلبية». لكن الأمر لم يعد يهمّ صناع المسلسل كثيراً، بسبب عرضه على أكثر من قناة. غير أن «نضال» إبراهيم، ابن حمادة عزو، غير مؤثر إطلاقاً في أحداث المسلسل. لكنها سطوة الواقع مرة أخرى، إغراء الحياة العربية التي لا تعرف الملل. وقد وجد صناع الدراما طريقهم عبرها إلى جذب المتفرج، آملين أن يصلوا يوماً إلى درجة التشويق التي تتيحها الفضائيات الإخبارية في تغطيتها لمشكلات وصراعات العالم العربي، وكوارثه أيضاً، وخصوصاً تلك التي تميّز شهر أيلول...
بقي أن نذكر أن مسلسل «الدالي» لنور الشريف، اقترب من السياسة أيضاً. وكانت LBC قد روجت على سبيل الدعاية، قبل بدء العرض أن الجمهور ينتظر لمعرفة إذا ما كان العمل يروي قصصاً من حياة الراحلين الرئيس رفيق الحريري أو وزير الإسكان المصري عثمان أحمد عثمان. وفي وقت تنفي فيه أسرة المسلسل تناولها أياً من الشخصيات السياسية في العمل، أسهمت هذه الشائعات حكماً في زيادة الإقبال عليه.

«يتربّى في عزّو» 21:00 على «المستقبل»




محمد عبد الرحمن

«اغتصاب» يسراالضجّة مستمرّة

في ثمانينيات القرن الماضي، وقع خبر انتشار جرائم الاغتصاب في القاهرة كالصاعقة على المجتمع المصري. يومها، سارعت السينما إلى معالجة القضية عبر فيلم شهير هو «المغتصبون» الذي ارتكز على قصة حقيقية، مثّلها على الشاشة ليلى علوي. لكنّ الفيلم عرض «للكبار فقط»، وظلّ منبوذاً من الفضائيات حتى اليوم. ظهرت بعده أفلامٌ عدة، لم يمتلك أصحابها شجاعة المخرج سعيد مرزوق، ولم يستطع أحد منها أن يحدث ضجة «المغتصبون». وبعد ربع قرن تقريباً، ها هي الدراما التلفزيونية تقرر أن تكمل المهمة، وتؤكد أن جرائم الاغتصاب ليست مسألة عادية، بل قضية يجب مناقشتها في التلفزيون أيضاً. لهذا السبب ربما، كانت يسرا على حقّ عندما اقترحت تغيير اسم مسلسلها الجديد من «الدكتورة عبلة وذئاب المدينة» إلى «قضية رأي عام». فالنجمة المصرية توقعت منذ البداية أن يثير المسلسل الرأي العام. وهو ما حدث فعلاً. وما زالت ضجة الحلقة الثانية التي شهدت واقعة الاغتصاب، مستمرّة على مستويات عدة: سواء من ناحية الرقابة وتعامل التلفزيون المصري معها، (بخلاف الفضائيات الأخرى)، أو ردّ فعل المجلس القومي للمرأة الذي أدان المشهد، على رغم أن المخرج محمد عزيزية قصد من تصوير هذه المشاهد، أن يوصل رسالة مفادها أن قراءة تفاصيل حادثة الاغتصاب في الصحف، لا تعبّر إطلاقاً عما تعانيه الضحية في اللحظة المشؤومة. ثم استمر الجدل بإعلان إيمان مسعود، مديرة قسم طب الأطفال في القصر العيني غضبها من استيلاء يسرا على منصبها واستعمال اسم المركز الطبي في المسلسل، حتى ظنّ بعضهم أن الفنانة الشهيرة تجسّد قصة حقيقية. كل هذا جعل من «قضية رأي عام» مثار جدل واسع، أعادت إلى يسرا وشركة «العدل غروب»، الثقة من جديد في ساحة المنافسة التلفزيونية، بعدما عانت النجمة من نقد شرس لظهورها التلفزيوني الباهت من خلال شخصيات مثالية على طول الخط. لكن مثاليتها هذا العام باتت مبررة من الجمهور الذي تعاطف معها، ومع زميلتيها الضحيتين (لقاء الخميسي وألفت عمر). بل إن المغتصبين الثلاثة تحوّلوا إلى نجوم على صفحات الجرائد المصرية، إذ سارعت الصحف والمطبوعات إلى مناقشة مشهد الاغتصاب، ليكون المسلسل الوحيد الذي يجبر الصحافة على عدم الانتظار حتى نهاية رمضان لإصدار الحكم وإعداد الأسئلة لجميع أبطاله.
وما زاد من حدة النقاش، عودة ملف الطفلة هند التي تعرضت للاغتصاب إلى الأضواء. إذ حكمت المحكمة قبل يومين ببراءة المتهم، لتعود الجريمة من دون فاعل، وتلتقي مع صوت يسرا الذي طالب الضحية بالإبلاغ مبكراً ودون تردد عن «الذئاب». بقي أن نذكر أن فرق التوقيت، ساعد الجمهور المصري على متابعة المسلسل بكثافة، نتيجة تزامن موعد عرضه على «دبي» مع انطلاق مدفع الإفطار في القاهرة.

19:00 على «دبي»