بيار أبي صعب
لا شك في أن الأمر يتطلّب الكثير من الجرأة. أن يذهب محمود أحمدي نجاد إلى جامعة كولومبيا، ليواجه نخبةً من الجامعيين والمثقفين... فيما جزء من الجمهور يرفع شعارات اتهاميّة وعدائيّة، وصفحات كاملة في الصحف الأميركية تحذّر المواطنين الشرفاء من هذا الرجل الخطير. ليس سهلاً أن يقف الرئيس الإيراني فوق أرض معادية، فيتلقّفه رئيس الجامعة لي بولينغر بقلّة أدب لا تليق بالتقاليد الأكاديميّة والديموقراطيّة. وأن يقول هناك، بكل بساطة، إن إسرائيل دولة غاصبة، والإدارة الأميركيّة تطبّق سياسة همجيّة في العالم... فيصفّق له جزء من المثقفين الأميركيين الحاضرين في القاعة!
لكنّ خيار مواجهة الهمجيّة الأميركيّة في المنطقة، لا يتناقض البتّة مع الانتماء العميق إلى قيم الحريّة ومبادئ الديموقراطيّة... بل يأتي امتداداً طبيعياً له! وهذه، للأسف، حدود أحمدي نجاد الذي يعطي لمناوئيه الحجّة تلو الأخرى لأبلسته وتشويه صورته لدى الرأي العام، وتفريغ خطابه من أي محتوى تقدّمي وإنساني. عدوّ الاستعمار سرعان ما يظهر في صورة عدوّ الديموقراطيّة وحقوق الإنسان.
ولعلّ خير مثال على ذلك، الموقف الملتبس من «المحرقة النازيّة» الذي زجّ الرئيس الإيراني نفسه فيه باسم محاربة إسرائيل. لكن الفخّ الآخر الذي انزلق إليه في نيويورك، ما جعله أضحوكة الحاضرين، وموضع سخرية الصحافة العالميّة في اليوم التالي، هو مسألة المثليّة الجنسيّة. «لسنا مثلكم، ليس عندنا هذه الظاهرة في إيران!». كان الردّ كافياً لتحويل الحدث إلى مهزلة بائسة.
تفيد أرقام المنظمات الموثوقة أن أكثر من ٤٠٠٠ رجل وامرأة أُدينوا في إيران خلال ٢٨ سنة بتهمة «الشذوذ الجنسي» التي يذهب عقابها إلى الإعدام. على فكرة، خلال الهولوكوست أيضاً أُبيد عدد كبير من المثليين. لكن الرئيس الإيراني ربّما فاتته تلك الحقيقة أيضاً...