اللاذقية ــ خليل صويلح
  • المجتمع المدني يطلّ برأسه في «مهرجان جبلة الثقافي»


  • «مهرجان جبلة» تجربة خاصة على الخريطة الثقافية السورية، فهو تجسيد لأهمية العمل الأهلي، وفضاء يحتضن تمرد الأطراف على المركز... من خلال الفن والفكر والإبداع. للمرة الثالثة احتضنت البلدة الساحلية مجموعة من الأسماء العربية البارزة، تحت هالة أدونيس، ابن قصّابين المجاورة

    يستحقّ «مهرجان جبلة الثقافي» تحيةً خاصة. المهرجان الذي انطلق قبل ثلاث سنوات في البلدة الساحلية الصغيرة المتاخمة لمدينة اللاذقية، بمبادرة من «جمعية العاديات» في جبلة، يمثّل نموذجاً للعمل الثقافي الأهلي بعدما أكد حضوره المختلف بين المهرجانات الثقافية الأخرى، سواء لجهة التنظيم أم لجهة استقطابه شخصيات ثقافية وإبداعية عربية مهمة. ولعل حضور اسم أدونيس، أباً روحياً للمهرجان، أضفى على نشاطاته نكهةً مختلفةً، وأعطاه دفعاً في تأكيد أهمية ثقافة الأطراف في منافسة ثقافة المركز.
    هكذا تعرّف جمهور الساحل إلى شعراء عرب مثل سعدي يوسف وقاسم حداد وعباس بيضون. وفي دورته الثالثة التي اختتمت قبل أيام، استضاف المهرجان الشعراء عبد المنعم رمضان (مصر) وشوقي بزيع (لبنان) وشوقي بغدادي وعابد إسماعيل وأحمد اسكندر سليمان (سورية) فيما لم يتمكّن الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي من المشاركة.
    هل الشعر بخير حقاً؟ هذا الانطباع يؤكده زحام الجمهور في رواق مدرج جبلة الأثري، والتفافه حول الشعراء وإصرار أدونيس على الحضور اليومي لفعاليات المهرجان. حضر الشعر على نحو آخر في مونودراما «فصل في الجحيم» (عن ديوان أرتور رامبو الشهير) للمخرجة أمل عمران وأداء حلا عمران. هكذا، ذهبت أشعار رامبو إلى مسالك أخرى، برفقة موسيقى الجاز... وعبرت اعترافات الشاعر الملعون فضاءات الصمت عبر تكرار جملٍ محددة في ما يشبه الهذيان، فانصهرت المعاني في لغة وامضة وتلوينات بارعة في
    الأداء.
    المخرج المصري خيري بشارة تحدّث في الندوة التي تلت عرض فيلمه «آيس كريم في جليم» عن سينماه التي مثّلت هموم الطبقة الوسطى، وتأثير نشأته في حي شبرا القاهري على توجهاته وتطلعاته السينمائية، وآفاق أفلام الديجيتال التي وجد فيها ـــــ في فترة ما ـــــ حلاًّ لمأزق التمويل. كذلك تحدّث عن أسباب انكفاء أبناء جيله عن مواكبة التجارب الجديدة بعدما دخلت السينما المصرية في نفق شباك التذاكر، وحرب نجوم الكوميديا الجدد. وقال صاحب «الطوق والإسورة» إنّه شعر بالضجر من السينما أخيراً وأراد أن يعيش حياته كائناً عادياً يشغف بالحياة نفسها.
    أمّا المخرج محمد ملص فحضر مع فيلمه الأخير «باب المقام» في أول عرض خاص له خارج دمشق. الشريط ينهض على جريمة شرف حدثت منذ سنوات في ريف دمشق. يومها قُتلت امرأة متزوجة على أيدي أشقائها بسبب استماعها إلى أغاني أم كلثوم. لكن ملص آثر أن ينقل مكان الحادثة إلى حلب، باعتبارها مدينة الطرب الأصيل، وأن يهجو الأصولية الجديدة رابطاً إياها بالتحولات الاجتماعية والسياسية للبلاد.
    «الرواية العربية من المحلية إلى العالمية» هو عنوان الندوة التي أثارت سجالاً ساخناً بين الحضور نظراً إلى التباس مفهومي المحلية والعالمية، والعلاقات المتشابكة والمتصادمة بين المفهومين. الندوة التي أدارها الروائي نبيل سليمان، بمشاركة الناقد العراقي عبد الله إبراهيم، والروائي السوري حسن صقر، والروائي الجزائري واسيني الأعرج (أرسلَ شهادة قُرئت عنه بالنيابة)، طرحت أسئلة جوهرية عن معنى العالمية في الأدب... وحاولت الإجابة عن سؤال حساس: هل الترجمة إلى اللغات الأخرى تدليل دامغ على أهميّة الرواية وعالميتها؟
    عبد الله إبراهيم، أستاذ مادة السرديات في جامعة قطر، أشار في مداخلته «في مفهوم المحلية والعالمية» إلى أهمية المدوّنة السردية العربية، وخصوصية مرجعياتها، وتمرّدها اللاحق على هذا الموروث اللغوي الذي كرّسته البلاغة العربية، واقتراحها معايير جديدة تنبع من بيئتها المحلية. ورأى ابراهيم أنّ مفهومي المحلية والعالمية في الرواية فخّ محكم لإطاحة خصوصية الرواية العربية، وطرح زائف ومتعسّف ينبغي إعادة النظر فيه وتجريده من الحمولة الايديولوجية. واستهجن فكرة العالمية التي تتكئ على اعتراف الآخر ومعاييره الجمالية المستعارة، لكنّه استدرك بقوله إنّ هذا الاختلاف لا يعني ضرورة القطيعة بين الثقافة المحلية والعالمية. وقال إبراهيم إنّ الرواية العربية، بصفتها نوعاً سردياً جديداً، مثّلت تحولاً مهماً إذ زعزعت الظاهرة الشعرية، على رغم رسوخها في الوجدان والخيال العربيين. وردّ صعود الرواية العربية إلى تحكّم الذوق الأدبي في عملية التلقي، إضافة إلى اقتراحها تقنيات جديدة ومبتكرة. فالنوع الروائي عابر للثقافات واللغات، من دون التخلّي عن الخصوصية المحلية، وشبكة المعاني والدلالات والرموز. وقال: «إن الحراك الثقافي والترجمة خرّبا الحدود القديمة بين الثقافات، وهو ما أكسب الرواية العربية عناصر القوة، خصوصاً بعد انخراطها في حركة الترجمة».
    في شهادته «المحلية الهشة، سؤالُ عالمية اللحظة»، تساءل واسيني الأعرج: «عن أي محلية نتحدث عندما نثير القضية في سياق الأدب العربي؟ المحلية المنغلقة في دائرة محكومة باليقينيات التي أثبت التاريخ موتها واضمحلالها؟ أم المحلية التي ترتبط بالقيم الإنسانية الحية والمشتركة مع هموم باقي البشر، أكثر مما تضع نفسها داخل دوائر مسدودة أمام التحولات الإنسانية والمعارف البشرية ومعضلاتها؟». وعن شرعية انهماك الروائي العربي بسؤال العالمية، قال الأعرج إنّ هذا الأمر منوط بجملة مؤهلات تدفع بالعمل الأدبي خارج دائرة المحلية، وليس غنى النص وحده هو الذي يقود إلى الاعتراف بأهمية هذه الرواية أو تلك، بل مركزية قوة الاعتراف. هذه القوة تتمثل اليوم في أميركا وأوروبا من جهة، وقهر الأنظمة الاستبدادية المحلية التي شغلت الكاتب بحروبه الأهلية، وحروب الجيران.
    وأوضح واسيني أن الإمبراطورية الإعلامية الإمبريالية المتعالية هي مَن يتحكم اليوم بالقيمة الأدبية للنص عن طريق احتلال الرمز وتأويله وفق معاييرها ورغباتها، وتالياً تفكيكه إلى قبائل وشيَع متضادة قابلة للانفجار في أية لحظة. هكذا عمّمت هذه الإمبراطورية نموذجاً للتصدير بديلاً للأدب الإنساني وقيَمه المحلية، مع التنويه إلى البعد السلعي للبضاعة. وما صعود روايتي «شيفرة دافنشي» لدان براون من جهة، و«عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني من جهة أخرى إلى واجهة الأدب العالمي إلا نموذج لـ«عالمية اللحظة» التي تتناقض مع الديمومة والبقاء وأهمية النص، كما كان الأمر دائماً أمام الأعمال التي تؤثث اليوم الذاكرة الجمعية. ويكمل واسيني أنّ العالمية إذاً هي «مدار تاريخي لا لحظة مبتورة عن سياقها المعرفي العام». ونوّه صاحب «سيدة المقام» بأهمية المحلية في الكتابة بوصفها العتبة الأولى للعالمية بعيداً من الموضة العابرة.
    الأمسية الموسيقية التي قدّمها نصير شمه على مسرح المدرج الروماني واستمرت ساعتين كانت لها نكهتها الخاصة، لجهة براعة عازف العود العراقي في السيطرة على أوتاره، وابتكار مقامات جديدة تترك أثراً عميقاً في وجدان مستمعيه. وهو ما جعل أدونيس ينهض إلى خشبة المسرح ويحيّيه بحرارة بعدما أهدى شمّه الأمسية إلى الشاعر الكبير.




    افتتح أمس في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، معرض الكتاب الدولي في دورته الثالثة والعشرين، بمشاركة 12دولة عربية و9 دول أجنبية. ووصل عدد الدور المشاركة إلى 415. ويشتمل معرض هذا العام على ندوات فكرية وسياسية تتناول اللغة والهوية والمعتقد الديني والحرية وثقافة المقاومة، إضافة إلى لقاءات مع مبدعين سوريين مثل صادق جلال العظم وخيري الذهبي وعادل أبو شنب.