خليل صويلح
في دمشق، كلّ يغنّي على ليلاه. لقد قرر نقيب الفنانين صباح عبيد أن يحدّ، على طريقته، من «التلوّث الغنائي»، مانعاً هيفا و«أخواتها» من الغناء في سوريا... فيما فنانات المغرب وروسيا يغزين ملاهي الزبداني. ما قصة هذا القرار؟ كيف يتفاعل معه فنانو دمشق؟ وماذا عن المشهد الغنائي في مدينة تتهيأ كي تكون عاصمة الثقافة العربية؟

لمن لا يعلم، فإن هيفا وهبي شقّت طريقها الفني من دمشق، فقد كانت فتاة إعلان متواضعة، مطلع التسعينيات، اشتهرت عن طريق إعلان مثير لماركة «معكرونة وطنية». هكذا ورّطت آلاف الزبائن بتذوّق طعمها «اللذيذ»، قبل أن يغلق المصنع إلى الأبد، بسبب سوء البضاعة. وها هي اليوم تُمنع من الغناء في سوريا بوصفها «قنبلة جرثومية مدمّرة للعقل العربي»، إثر القرار الشهير الذي اتخذه صباح عبيد، نقيب الفنانين. وإذا بهذا القرار النقابي يتفاعل بسرعة مثل كرة ثلج: اختطفته وكالات الأنباء والصحف والفضائيات كخبر مثير وعاجل، ليتحول في نهاية المطاف، إلى قضية رأي عام، وخصوصاً بعدما تبنّاه خطباء مساجد في دمشق، أثنوا في خطبة الجمعة، على صاحب القرار «المؤمن»، ما دام يقع في خانة محاربة «الفسق والفجور» في الغناء.
هكذا احتلّ صباح عبيد مانشيتات الصحف، قبل أن تستضيفه محطة «الجزيرة» في برنامجها الشهير «الاتجاه المعاكس» مع المثقف المصري علي سالم، عمدة التطبيع مع إسرائيل في مصر والعالم العربي، ليدور الحديث عن ضرورة «الفن الملتزم». هيفا وهبي إذاً، ليست مجرّد دمية مثيرة، بل قضية قومية، تدخل في صلب الصراع العربي الإسرائيلي، وما تؤديه من أغانٍ مائعة، لا شكّ أنه أحد أسباب حال الهوان التي أصابت الأمة بشيبها وشبابها. وتالياً، فإن إسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من انتشار هيفا وأخواتها... كان صباح عبيد قد أرفق روبي وإليسا في قائمة هيفا (لعلّه لم يتذكر اسم نانسي عجرم أثناء إصداره الفتوى)، قبل أن تصيبه الحماسة، ويعلن أن لديه قائمة تضم مئة اسم «للحدّ من التلوث الأخلاقي الذي يسببه الغناء المنتمي إلى العري أكثر من انتمائه إلى فن الغناء». وقد تناسى النقيب، حسبما يقول أحد أعضاء النقابة، أن نقابة الفنانين هي من يمنح تصاريح غناء لعشرات المغنيات المجهولات اللواتي ينتشرن في الملاهي والمطاعم والنوادي الليلية في دمشق وضواحيها. وذلك لخدمة الأشقاء من السياح الخليجيين الذين يهوون غناء «النوريات» بشكل خاص، ثم أغاني الدبكة التي تناسلت بالعشرات بعد نجاح «حاصودة» علي الديك. ذلك عدا موجة المغربيات والروسيات التي أتخمت الملاهي، تحت صفة «فنانة» (مع غمزة موحية تناسب السياق).
ويضيف العضو في النقابة: «نقابة الفنانين تجني سنوياً ملايين الليرات من ضريبة الملاهي، كما يتبختر أعضاء النقابة بصفة «مراقبين» على موائد مجانية مع زجاجة ويسكي غير مغشوشة في المطاعم الممتدة من منطقة التلّ إلى صيدنايا، مروراً بالربوة وبلودان والزبداني. إضافة إلى فرض فنانين سوريين من الدرجة الثالثة على برنامج أي ملهى. قبل أن يتساءل: «كيف لقرار النقيب أن يأخذ مجراه إلى كل هذه القنوات التي تصبّ في الابتذال الغنائي؟ ثم ما جدوى قراره لدى الفضائيات العربية؟ وهل يكفي منع هؤلاء المغنيات من الغناء مرة أو مرتين في العام في المسارح والمطاعم السورية، حتى يستعيد الشعب السوري العنيد عافيته الغنائية؟».

الفوضى غير الخلّاقة

يشير ماجد حليمة، المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، إلى أنه مضطر إلى تنفيذ قرار النقابة في منع ظهور الفنانات ممن طالهن القرار على الشاشة السورية، على رغم شغفه الشخصي بهيفا وروبي وإليسا! ويقول الموسيقي طاهر مامللي: «إذا كان الأمر يتعلّق بالسوية الفنية، فأنا أؤيد المنع سواء بحق مغنية سورية أم عربية. فالذائقة الموسيقية اليوم صارت في الحضيض، وفي مصر كان أحمد عدوية ممنوعاً من الغناء في التلفزيون المصري. لكن النقابة في كل الأحوال ليست فرعاً أمنياً حتى تمنع من تشاء وتسمح لمن تشاء، وإلا فسيتخذ القرار منحى سياسياً». ويستدرك: «إذا كانت نقابة الفنانين حريصة حقاً على الذائقة، فلماذا لا تتبنى المغنيات الأكاديميات اللواتي درسن أصول الغناء في المعهد العالي للموسيقى أمثال ديما أورشو ولينا شماميان وليندا بيطار؟». ويعلّق الناقد نجيب نصير، قائلاً: «أعتقد أن قضية المنع والسماح في الغناء مسألة حقوقية تتعلّق بالسلطة التنفيذية، وقرار من هذا النوع لا يخضع بالمطلق إلى تقويم أخلاقي أو فني. هو خروج صريح على القانون، ويدخل في باب «الفوضى غير الخلّاقة». وحين تتنطّح جهة مثل نقابة الفنانين لمثل هذا القرار فإنها تتصرف مثل ميليشيا، وهذا لا يليق بأي حال من الأحوال، ببلد يستعدّ لأن يكون في العام المقبل عاصمة للثقافة العربية».

تهديد ووعيد

بعدما هدأ غبار المعركة قليلاً بين هيفا وهبي وصباح عبيد، أُشيع أن نقيب الفنانين صرّح بأن أصالة ممنوعة من الغناء في سوريا أيضاً. وذلك بسبب تصريح دافعت فيه عن هيفا، مؤكدة أن ليس من حق النقابة منع مطرب أو السماح لآخر، فهذا القرار يتخذه الجمهور وحده... لكن النقيب سرعان ما نفى الخبر، وقال إنه سيمنح أصالة عضوية شرف في نقابة الفنانين.
في المقابل، فجّر قنبلة جديدة أو قنابل عدة دفعة واحدة، أوّلها أنه تلقى رسالة تهديد من هيفا عبر رسالة على هاتفه الخليوي «ما زلت أحتفظ بها». وأضاف موضحاً: «لستُ ضد هيفا كإنسانة، ومن أراد أن يشاهدها فالفضاء مفتوح. لكن في سوريا لن يغنّي إلّا الموهوب». ثم شنّ هجوماً عنيفاً على الصحافة السورية، واستغرب «الحملة المسعورة» ضدّه، وكشف أنه في صدد إقامة دعوى قضائية ضد صحيفة «الثورة» التي أطلقت عليه لقب «الداعية صباح عبيد»، مشيراً إلى أن «المؤسف في الأمر هو أن الصحف اللبنانية تناولت القضية بكل أدب وذوق. أما الصحف المحلية فقد تناولتنا بالسباب والشتائم». ونفى أنه أطلق هذا القرار من أجل الشهرة أو في إطار حملة للحفاظ على «كرسي النقيب»، مؤكداً أنّه وصل إلى النقابة عبر الانتخاب، قبل أن يوجّه غضبه نحو صحافيي مواقع الإنترنت «هؤلاء الذين يختبئون وراء أسماء مستعارة».