علاء اليوسفي
تذهب «عيال الله» أبعد من الروايات السعودية التي قرأناها في السنوات الأخيرة. كاتبها «شيخ الوراقين» يفضح ممارسات البوليس الديني، ويقول يأسه من إمكان التغيير في المملكة الوهّابيّة... أما المستوى الأدبي للنصّ، فحكاية أخرى...

«عيال الله» عمل جديد ينضم إلى سجلّ المحظورات الأدبية في السعودية. الا أنّ الرواية الموقّعة باسم مستعار هو «شيخ الوراقين» («دار التنوير العربي للنشر» ــــ لندن)، غزت مواقع الإنترنت، متجاوزةً حالة المنع والتعتيم التي تحاصر كل عمل يخالف الثوابت الدينية والسياسية في المملكة.
وبغض النظر عن المعايير الفنية التي يقوم عليها النصّ، يمكن قراءة الرواية باعتبارها فعل يأس من إمكان التغيير، أو الإصلاح، في بلد لا يسلّم إلا بالنمط الواحد. من هنا، جاء العمل صدامياً في تناوله «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وصرخةً بديلةً من عمل سياسي متعذر في بيئة لا تسلّم بحقّ الاختلاف.
صحيح أن بعض الانتقادات بدأ يظهر علانية في الفترة الأخيرة، احتجاجاً على تجاوزات «الهيئة»، بينها انتقادات من أعضاء في مجلس الشورى، إلا أن المؤلف أراد أن يذهب أبعد من ذلك. لقد أراد تقويض شرعية سلطة يرى أنّه لا يحقّ لها أن تتحدث باسم الله. وفي سعيه إلى ذلك، ركّز على منحيين: يتمثل أولهما في عدم وجود أي سند ديني يمنح هؤلاء المطاوعة صكوك وكالة تخوّلهم تكفير «خلق الله»، ومعاقبة الناس وسجنهم نيابة عنه. فيما يتجلّى المنحى الثاني في سياق الرواية السردي الذي راح يهدم المثالية الأخلاقية لرجال الهيئة، من خلال شخصية محورية هي الشيخ عايض. انطلاقاً من الفصل الأول، تتولى المخدّة القابعة في غرفة التوقيف والاحتجاز فضح ما يدور في أروقة المكان. هذه المخدة التي لوثتها روائح الأجساد المتسلخة بفعل خيزرانات المطاوعة، باتت تشفق على النسوة اللواتي وقعن بين أيدي المطاوعين الشيخ عايض والشيخ مقحم.
من البداية، يبدو جلياً الدور الذي أراد أن يمنحه المؤلف للمخدة: ففيما يرى كثيرون أن هؤلاء المطاوعة هم حماة الفضيلة، ويمثّلون سفينة النجاة للمجتمع من لهيب جهنم، فإن المخدة تكشف الفظائع التي يقومون بها. مريم مثلاً، قُبض عليها بتهمة الخلوة غير الشرعية مع ابن جارتها في مطعم «هرفي»، وقد نزفت كثيراً بسبب «اصطفاف مطاوعة المركز على مؤخرتها واختراقها بشكل مستمر وبشع».
لا يتأخر ردّ المطاوع عايض على ما يسمّيه ادعاءات المخدة، وعلى من يصدقونها من أتباع الملحدين الليبراليين. ويبرز تقريراً طبياً يكشف عجزه الجنسي دليلاً على عدم صحة اغتصابه مريم (يتبين لاحقاً أنه مُزوّر)، لينطلق إلى مهاجمة «الليبراليين الرعاع» الذين يتهمون المشايخ والقضاة بالفساد وقبول الرشاوى عبر صحف سيطروا عليها، خصوصاً «الوطن» و«الرياض»، ومن خلال منتديات الإنترنت الليبرالية التي تحجبها «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية» بين الفينة والأخرى، بينها منتديات «طوى» و«دار الندوة» ومنتدى المنحرفين المسمى «طومار» والمنتدى الهالك «الغرفة السوداء» وأخيراً «الشبكة الليبرالية السعودية».
ولأن الواقع أكثر غرائبية من الخيال، فإنّ «شيخ الوراقين» يستدعي المرويات الشفهية، وما حفلت به الصحف من وقائع وأحداث تدلّ على فساد المطاوعة الذي يمتد إلى القضاء. إذ تبرز شخصية الطبيب السعودي الذي يصف نفسه بالمسلم المحبّ لوطنه، ويدافع عن الليبرالية راداً عنها تهمة الإلحاد، وعارضاً بعض الأحداث التي تدين المطاوعة، منها قضية فتاة القطيف التي اغتُصبت وحُكم عليها بالجلد، بينما حُكم على مغتصبيها بالسجن لمدة قصيرة، من دون أن يستبعد أن يكون للأمر علاقة بكونها شيعية. وأيضاً هناك قضية فتاة أخرى اتّهمت مطاوعاً بالاعتداء عليها في المنطقة الشرقية، فأخذوا يماطلون في القضية مستغلّين جهلها في القضايا القانونية، ولم يوجّهوها لإجراء فحص طبي إلا بعد مضي خمسة أشهر على الاعتداء. هذا إضافة إلى قصة فاطمة ومنصور اللذين طلقهما القاضي غيابياً بعدما تقدم شقيق الزوجة للقضاء بشكوى تفيد بأنّ والده زوّج أخته رجلاً أقل منهم نسباً، ليصدر القاضي صكّ الطلاق من دون علم الزوجين بدعوى عدم كفاءة النسب!
وسط هذه الاتهامات، تقوم عائشة (اسمها الحقيقي عمشاء) بالدفاع عن زوجها الشيخ عايض، ساردة قصته شاباً يتيماً غادر قريته التي تتوسط منطقة القصيم إلى الرياض، ليحقّق حلمه الكبير بأن يصبح ضابط أمن. لكنّ قصر قامته حال دون ذلك. وبسبب تلك الخيبة، اتجه إلى المخدرات ودخل السجن ثم خرج منه تائباً. هكذا، انضم إلى حلقة والدها القرآنية، وتزوجها عندما كانت في الرابعة عشرة، وانتقلا إلى الرياض التي تراها مدينة الفسق، حيث تُباع مجلتا «لها» و«سيدتي» وتنتشر الأفلام المصرية وشرائط الأغاني علناً. تتوالى الشخصيات التي تتقاطع مع الشيخ عايض في إكمال السرد مضيئةً على جوانب إضافية من حياته لفضح أفعاله وشذوذه، فنرى قصة الامرأتين اللتين تزوجهما عن طريق المسيار.
ومن الشخصيات المثيرة في الرواية الطبيب المصري أيمن الأسيوطي الذي يعمد إلى كشف الوجه الآخر للمجتمع السعودي، متحدثاً عن فضائح أفراد البوليس الديني، وكيف استطاعوا تحويله إلى «قوّاد» لسهراتهم كما يتحدّث، وعن بيوت الدعارة المنتشرة في الأحياء القديمة من مدينة الرياض.
«عيال الله» التي أقصى كاتبها النقاد، معتبراً أنّ روايته تتوجّه إلى أولئك الذين يكدحون في الشوارع، باحثين عن صرخة تعبّر عن همومهم وآلامهم وتفضح منتهكي حياتهم، جاءت أقرب إلى التعبير عن الذات الليبرالية ضد من ينتهكها باسم الدين. ولم يغص «شيخ الوراقين» كثيراً في تحليل شخصياتها، مكتفياً بحوارات «فانتازية» تعكس آراءه الشخصية بأسلوب أراده ساخراً... لكنّه لم يوفق في بعض الأحيان.