بشير صفير
مطلع الأسبوع المقبل، سيكون محبّو الموسيقى الكلاسيكية على موعد مع أبرز أحداث العام في هذا المجال. ولا شكّ في أنّ متابعي التسجيلات المهمة للأعمال الكلاسيكية الضخمة، سيتهافتون على الأسطوانة الجديدة لعازفة البيانو الفرنسية هيلين غريمو الذي يضم تسجيلاً لرائعتي بيتهوفن (1770 ـــــ 1827): «الامبراطور» أي «الكونشرتو الخامس للبيانو والأوركسترا»، و«سوناتة البيانو المنفرد رقم 28».
تعد العازفة الشابة من أشهر الأسماء في عالم الموسيقى الكلاسيكية اليوم. وزادت شهرتها بعد توقيعها عام 2002 عقداً مع شركة «دويتشيه غراموفون» التي تتصدّر لائحة الشركات المتخصصة في إنتاج الموسيقى الكلاسيكية في العالم. قبل ذلك، قامت غريمو بالتسجيل لشركات مغمورة، ثم انتقلت إلى شركة «وارنر» العالمية وطالت تسجيلاتها أهمّ الأعمال التي كُتبت لآلة البيانو لمؤلفين من القرن التاسع عشر (العصر الرومنطيقي)، وخصوصاً براهمز وشوبان وشومان وليزت وبيتهوفن، إضافة إلى أعمال من النصف الأول من القرن العشرين لريتشارد شتراوس ورخمانينوف وغرشوين...
الأسطوانة التي ستصدر قريباً هي الخامسة لغريمو مع شركة «دويتشيه غراموفون». سبقتها ثلاث أسطوانات خاصة وواحدة مشتركة مع اثنين من أشهر عازفي البيانو، ضمّت كونشرتوهات البيانو الثلاثة للمؤلف المجري بيلّا بارتوك الذي كرّس تيار الطليعية في بلاده انطلاقاً من الفلكلور. أما الأسطوانات الثلاث الأخرى، فضمّت تسجيلات دخلت التاريخ سريعاً لمؤلفات شوبان (السوناتة الثانية) ورخمانينوف (السوناتة الثانية) وشومان (كونشرتو البيانو والأوركسترا) وبرامز (سوناتة البيانو والتشيلّو الأولى)... وأغنيات لزوجة شومان، المؤلفة وعازفة البيانو كلارا فيك ــــ شومان. أضف إلى ذلك عملاً معاصراً بعنوان Credo للمؤلف الإستوني آرفو بارت، والسوناتة رقم 17 للبيانو «العاصفة»، وفانتازيا للبيانو، الكورس والأوركسترا لبيتهوفن...
ليست هذه المرة الأولى التي تسجّل فيها غريمو الكونشرتو الخامس لبيتهوفن، إذ سبق أن قدمته مرتين في تسجيل حيّ. كما أنّها ليست المرة الأولى التي تقدّم عملاً من هذه الفئة للمؤلف الألماني. فقد سجّلت عام 1999 الكونشرتو الرابع الذي صدر مع السوناتتين رقم 30 و31 في أسطوانة واحدة (شركة TELDEC).
أما بالنسبة إلى سوناتات البيانو الـ32 التي تشكّل أحد الأعمدة التي شُيِّد عليها مجد بيتهوفن، فالرقم 28 هي الرابعة في ريبرتوار غريمو، بعد الـ30 و31 والتسجيل الرائع للرقم 17.
لكنّ الثقل في أسطوانة غريمو الجديدة ليس في السوناتة رقم 28 التي لا تعتبر من السوناتات المهمة لبيتهوفن، مقارنة بأعمال أخرى من الفئة نفسها. وهامش التأويل فيها ضيق نسبياً رغم الصعوبات المخفيّة التي تكتنفها والتي يتكلم عنها النقاد والموسيقيون.
أما العمل الضخم الذي كتبه بيتهوفن عام 1809، وهو على مشارف فقدان السمع بشكل كامل ـــ لم يكتب بعده أي عمل من هذه الفئة حتى وفاته ــــ فقد سجّله كبار عازفي البيانو في القرن العشرين، واستخرجوا منه خفاياه الجميلة. ورغم ذلك، استطاعت غريمو أن تقدّم شيئاً جديداً في هذا التسجيل، وأن تضفي لمستها التأويلية القائمة على السيطرة الدينامية في العزف، من دون التلاعب بالإيقاع، محافظةً على التوازن بين البيانو والأوركسترا (أوركسترا مدينة دريسدن الألمانية بقيادة الروسي فلاديمير يوروفسكي).
تجدر الإشارة إلى أنّ عشق غريمو للموسيقى، يساكن عشقها للذئاب، وهي تعتني بمجموعة منها في مركز حماية الذئاب الذي أسّسته مع صديق لها في نيويورك. وقد روت تجربتها مع هذا الحيوان البرّي الشرس، ومع الموسيقى، في كتاب أصدرته عام 2003 وحمل عنوان «تنويعات وحشيّة»، ولها تجربة ثانية في الكتابة بعنوان «دروس خصوصيّة» (2005).