strong>محمد رضا
في الثامن عشر من حزيران (يونيو) الماضي صاح ستيفن سبيلبرغ «أكشن» من جديد. لكن الانطلاقة الجديدة لصاحب E.T. ليست سوى إحياء لمشروع قديم، أعلن عنه لأول مرّة قبل أربع سنوات، ثم غطّ في سبات عميق، ليظهر على السطح مرّة أخرى قبل عامين، ويبقى طائفاً فوق مياه مضطربة منذ ذلك الحين حتى جاء وقت التصوير. إنّه الجزء الرابع من «إنديانا جونز».
في اليوم الأول من التصوير وقف ستيفن سبيلبرغ جاهزاً. على رأسه قبعة، تحتها غطاء للرقبة شبيهة بتلك التي كان يعتمرها الضبّاط والجنود اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية. أمسك كأس شامبانيا قبيل تصوير اللقطة الأولى وقال: «الزمن يمر. 18 سنة، ولم يتغيّر شيء. عجيب!».
لا ندري موقع اللقطة الأولى من الفيلم: سيّارة سوداء فيها أربع سيّدات، وسيّارة لونها بنيّ فاتح، فيها رجل واحد على طريق زراعية بعيدة. في البداية، وضع سبيلبرغ عينه على فتحة الكاميرا، وعاين لقطة قريبة لوجه السائق. بعد التقاط تلك الصورة، اعتلى كاميرا على رافعة تسير وراء السيّارتين اللتين انطلقتا جنباً الى جنب على تلك الطريق.
المنتج جورج لوكاس ليس بعيداً عن مكان التصوير. بقبعة رياضية هو الآخر،لكن من دون غطاء رقبة. وهو جرّب ركوب تلك السيارة التي يعود طرازها الى أواخر عشرينيات القرن الماضي. لا عجب. فعلى رغم أن الجزء الرابع يتم تصويره هذه الأيام، وأنّ هاريسون فورد، بطل هذا الفيلم في أجزائه الثلاثة السابقة، لم يعد ابن الأربعين، الا أن أحداث الجزء الحالي، ما زالت تدور في الثلاثينيات. أبناء بلدة New Haven في ولاية كونكتِكَت تجمهروا. معظمهم من كبار السن ويسألون ما سر هذه الشاحنات الضخمة التي لا زالت تتوافد في اليوم الثاني من التصوير. وحين قيل لهم إنّ ستيفن سبيلبرغ وهاريسون فورد موجودان في البلدة نظروا الى حيث كانت تلك الشاحنات تتجمّع. لكن لم ير أحد ستيفن ولا هاريسون... لكونهما في عمق المكان مشغولين بتنفيذ اللقطات واحدة تلو الأخرى. كل لقطة تُعاد مرتين وثلاث مرات، وأحياناً من زوايا مختلفة، ثم تُرسل لاحقاً الى حيث تُستنسخ لكي يراها سبيلبرغ على شريط واحد. كل ليلة يفرد المخرج مساحة من الوقت لمشاهدة ما صوّر في النهار أو في الليلة السابقة. العرض خاص جدّاً. سبيلبرغ، جورج لوكاس وكاثلين كندي وفرانك مارشال، وهما من منتجي الأجزاء السابقة أيضاً. أحياناً يدعو سبيلبرغ هاريسون فورد كي يشاهد بعض ما مثّله خلال النهار. لكن بالتأكيد ليس هناك من ناقد أو صحافي يُسمح له بمشاهدة ثانية واحدة من اللقطات، إلا في حال وجود دعوة خاصّة جداً من المخرج أو المنتج.
لم يكن إنتاج هذا الفيلم سهلاً. المشكلة كانت في السيناريو. فمنذ عام 2003 وهو يدخل مرحلة الكتابة ثم يخرج منها ليدخلها من جديد. تعاقب عليه نصف دزينة من الكتّاب وفي كل مرّة كان المنتج جورج لوكاس (الذي ابتدع الشخصيات) يقرأ ويردّ... حتى المرّات التي أعجب فيها ستيفن سبيلبرغ بالنسخة التي بين يديه، كان لوكاس يطلب إعادة كتابتها. وقد استفاد لوكاس من فترة الانتظار، فأنجز الجزء الأخير في الثلاثية الثانية من «حرب النجوم». وعرض الفيلم، بينما سيناريو «إنديانا جونز 4» لا يزال في المشغل.
وحتى مطلع هذا العام، لم يكن لوكاس قد أعطى موافقته. لكن هاريسون فورد أخذ يتبرّم. الأحداث التي تنطلق في الثلاثينيات، حسب هذا السيناريو، تصب لاحقاً في الخمسينيات وذلك لاستيعاب سن هاريسون فورد المتقدّمة (64 سنة). طبعاً لن يظهر هاريسون هنا في عمره الحقيقي، بل عليه أن يبدو أصغر بعشرين عاماً، وهذا ممكن لكون الممثل اعتنى بنفسه صحِّياً طوال تلك السنين الفاصلة بين «إنديانا الثالث» و«إنديانا الرابع».
طبعاً طرحت مسألة عودة شون كونري الذي شارك بفاعلية في الجزء الثالث. لكن شون قال في تصريح صحافي: «فكّرت طويلاً. لو أن ثمة دوراً من شأنه أن يجعلني أتراجع عن قراري بالاعتزال، فقد كان ليكون هذا الدور... لكني لن أقبل». الكل متكتّم جداً في مكان التصوير وخارجه. لا أحد يريد أن يقول شيئاً. التصوير أساساً ممنوع. كذلك ممنوع على الممثّلين وحتى على عمّال الإضاءة... لا شيء. في الأسبوع الماضي قابلنا شاي لا بوف الذي يشارك في بطولة هذا الفيلم، في مناسبة اطلاق فيلمه الجديد Transformers. سألناه عن دوره في «إنديانا ٤»، فنظر الى سقف بهو الفندق، وقال: «ستيفن يراقبني. إنه هناك ينظر إليّ ويسمعني. لا أستطيع أن أتحدّث عن ذلك الفيلم إطلاقاً». وأضاف بجدّية: «قبل أيام قليلة، شدَّ على ذراعي وقال لي: أعتمد عليك، لا تخذلني».
ستيفن هو منتج «المتبدّلون» الذي أخرجه مايكل باي. والأخير كان قد أخبرنا أن ستيفن لا يزال شغوفاً بالأفلام المثيرة من نوعية «المتبدّلون» و«إنديانا جونز» و«لقاءات مقرّبة من النوع الثالث»: «عليك أن ترى كيف يكون خلال التصوير. أمر لا يُصدّق».
واستعدنا هنا الأذى الذي لحق بالعرب لدى خروج «فرسان تابوت العهد المفقود». لكن سبيلبرغ مطلع الثمانينيات، كان يختلف عمّا هو اليوم. لقد حاول جهده إنصاف الفلسطينيين في «ميونيخ»، وتطرّق لمسائل سياسيّة مهمّة في «ترمينال» و«حرب العوالم»، وأنتج فيلمي كلينت ايستوود الرائعين: «رايات آبائنا» و«رسائل من إيوو جيما».
على كل حال، فإن مشكلة «إنديانا جونز» المقبل، لن تكون مع العرب بل مع الصينيين... هذا السر بيننا فقط!