باسم الحكيم
ماذا لو أخذت إجازة من العمل وتخليت عن هموم الدنيا... لتسافر إلى مجاهل الأرض، وتنعم في أحضان الطبيعة؟ يبدو أن الـ Real TV، بعدما استنفد لعبة النجوم، قرر الغوص في أعماق الصحاري والبراري والبحار، بحثاً عن المغامرة والتشويق... علّه يستعيد جمهوراً انفضّ عنه في الآونة الأخيرة
بعيداً من برامج اكتشاف الهواة التي تنمو كالفطر، ويستنسخ بعضها من بعض، فتتشابه في أفكارها وأهدافها، بدأ «تلفزيون الواقع» يبحث عن الاختلاف... في أحضان الطبيعة. منذ «عيش سفاري» و«عيش براري» ثم «عيش صحاري» الذي يحضّر له اليوم على قدم وساق، تمهيداً للبدء بتصويره قريباً، ووصولاً إلى «عيش بحاري» و«عيش خياري»، المقرر تنفيذهما لاحقاً، يبقى الهدف واحداً: تفاعل المشتركين ــــــ الشباب مع الطبيعة والأرض في أجواء من المنافسة والألعاب، على أن يعيشوا معاً لأسابيع، ساعة بساعة ولحظة بلحظة...
ولدت الفكرة قبل نحو عامين، يوم تقدّم المنتج التنفيذي والمخرج يوسف الخوري إلى قناة MBC ببرنامج «عيش سفاري» الذي صوّر في محمية تالا في جنوب إفريقيا، وعرض قبل مدة على شاشة المحطة السعودية. ثم قدّمت نسخته الثانية، ولكن من إنتاج «إم بي سي» هذه المرة. في ذلك الوقت، كان الخوري قد حمل فكرته إلى LBC، مضيفاً إليها بعض التعديلات، فأطلقت المحطة اللبنانية «عيش براري» بالاشتراك مع قناة ENTV الجزائرية. وصوّر البرنامج في محمية القالة في شرق الجزائر، وأنتجته شركتان، هما «فوكس ألجيري» و«سيدر أوف أريبيبا». وبعدما عرضته الفضائية اللبنانية تزامناً مع القناة الجزائرية أواخر العام الماضي، يرتقب عرضه بدءاً من 4 آب (أغسطس) المقبل على شاشتها الأرضية.
لكن الخوري لم يتوقف هنا، وها هو يزور الأردن حيث اختار وادي رم موقعاً لتصوير «عيش صحاري». وقد اتفق على عرضه مع التلفزيون الأردني، وفضائيّة أخرى يتكتّم عن ذكر اسمها. وستتولى إخراجه زينة صوفان، وتنتجه أيضاً «فوكس ألجيري». ومن المتوقع أن تقدّمه سلمى غزالي، طالبة «ستار أكاديمي»، التي سبق أن قدّمت «عيش براري».
لا تختلف فكرة «عيش صحاري» كثيراً عن «عيش براري». إذ يجتمع فريقان، يتألف كل منهما من سبعة أعضاء، وتراوح أعمارهم بين الثالثة والعشرين والثلاثين عاماً، ليشكّلان قبيلتين يتنافسان في الصحراء، بعيداً من حياة الراحة والرفاهية، بهدف احتلال أكبر مساحة ممكنة من الأرض التي يعيشون عليها. تنطلق المغامرة مع سبع جولات، وتمتد إلى ثلاثين حلقة، مشحونة بالتحدي والمعرفة، ولا سيّما في ما يتعلق بالمعلومات عن الصحراء، وشظف العيش فيها وقسوتها. هكذا سيهتمّ المشتركون بتنظيم شؤون القبيلة، ومحاولة كسب النقود عبر ألعاب منفردة، قبل أن تبدأ كل قبيلة بتنفيذ خططها لاحتلال أرض القبيلة الثانية، وأسر آمرها لمنعه من متابعة اللعب وكسب المؤن. ويتحقق الاحتلال إذا تمكّنت القبيلة المهاجمة من الفوز باللعبة، فيحقّ لها متابعة الهجوم واحتلال أرض جديدة، وإلّا فسيتحوّل الهجوم تلقائياً إلى القبيلة الثانية...
البرنامج إذاً هو مجرّد سلسلة من الألعاب التي تقدّم في بقية برامج التسلية، لكن في إطار مختلف. إلا أن معدّي «عيش براري» يراهنون أيضاً على تسليط الضوء على القيم الاجتماعية القبليّة البدوية، وعلاقة الفرد بالمجموعة التي ينتمي إليها. إضافة إلى تفعيل ثقافة البدو في برنامج تلفزيوني، وتعريف الناس بالأماكن الطبيعية المتميزة. هذا ما تؤكده المخرجة زينة صوفان، قائلةً: «سنحقق في البرنامج هدفين في الوقت نفسه. أولاً، التواصل بين شباب من مختلف الدول العربية، ثم احترام الموقع الطبيعي حيث يجري التصوير، ما يجعلنا نتطرق بطريقة غير مباشرة إلى المشاكل البيئية التي نعانيها. ولأن البرامج البيئية مادة جافة، يعزف عنها الجمهور عادة، فقد ننجح في عودة الألق إليها من بوابة تلفزيون الواقع، عبر الألعاب والتحدي والمنافسة». وعن اختيار وادي رم ساحة للأحداث، تشير إلى «أننا قصدنا اختيار موقع عربي، يعيش فيه البدو الرحل». وتؤكد «اخترنا عن قصد أماكن طبيعية ظروفها قاسية، ما سيزيد من وتيرة التشويق، وخصوصاً أن المشتركين سيواجهون ضغوطاً جمّة، وسيطلبون مساعدة بعض البدو لتدبير شؤون حياتهم اليومية». وماذا عن اختيار المشتركين في أجزاء السلسلة كافة؟ توضح: «لم نضع نصب أعيننا هدفاً محدداً. لا نريد أبطالاً في السباحة أو الجري، ولا يهمّنا إن كان المشترك يتمتّع بقوى جسدية وذهنية لافتة. كلّ ما نصبو إليه مشاركة أشخاص عاديين، يرغبون في خوض المغامرة».
وقبل البدء بتصوير «عيش صحاري» الذي يعرض بداية العام المقبل، وضعت «سيدر أوف أريبيبا» خطة مبدئية لتنفيذ «عيش بحاري» الذي يضم أطفالاً من الدول العربية والعالم للعيش في إحدى الجزر، في صيف عام 2008. أما «عيش خياري» فيتمرّد فيه المشتركون على العادات والتقاليد التي تحكم واقعهم، ويخرجون نحو طريقة عيش يختارونها بأنفسهم. يُذكر أخيراً أن «عيش سفاري» حقق في موسم عرضه الأول نسبة مشاهدة عالية بحسب إحصاءات أجرتها MBC، وسجّل «عيش براري» نجاحاً مماثلاً على القناة الجزائرية، فيما أخفق البرنامج نفسه في جذب المشاهدين على «إل بي سي» الفضائيّة، لأنه ظلم لجهة التوقيت.
في النهاية، هل ستكسب هذه البرامج رهانها في كشف النقاب عن مناطق طبيعية عربية غير معروفة، والحديث عن مشاكل البيئة؟ قد يكون الجواب نعم إذا عدنا إلى الوراء، واسترجعنا ما حقّقه تلفزيون الواقع من سجال، بعيداً من لعبة تصويت الجمهور: «ستار أكاديمي» والصراع الحادّ بين المتشددين والمحافظين في الكويت والسعودية في ما يخص رفع سقف التحرّر، والجدل الذي أثاره «بيغ براذر» عن بعض التقاليد القديمة التي كشفها سلوك بعض المشتركين في نيجيريا... والأهم من كل ذلك هو «عيش خياري». لو نُفِّذت الفكرة بعمق، لاستطاع البرنامج حقاً أن يكشف النقاب عن أحلام الشباب العربي وإخفاقاته، وسط كل تحديات مجتمعنا.