strong> ثائر غندور
يسجّل لفراس حاطوم أنه يحاول في برنامج «استقصاء» على NEW TV تكريس حضور العمل الصحافي الاستقصائي في الإعلام المرئي اللبناني. وبعد حلقة أولى عرض فيها واقع سجن رومية، أطلّ علينا أول من أمس في حلقة ثانية مخصصة لعمالة الأطفال. استخدم حاطوم لغة أدبية متماسكة، جذبت المشاهد إلى متابعة برنامجه حتى النهاية، لاكتشاف المزيد عن هذه الظاهرة التي لم تلقَ معالجة كافية في البرامج الاجتماعية المحلية.
بدأ حلقته بعرض المشكلة التي واجهها مع النائبة جيلبرت زوين، رئيسة لجنة حقوق المرأة والطفل النيابية، إثر رفضها الحديث معه. وذلك بسبب اعتراضها على تقرير عُرض سابقاً في إحدى نشرات أخبار المحطة، وأشار إلى عدم اجتماع اللجنة منذ أكثر من خمسة أشهر. وفي اتصال مع «الأخبار»، أوضح حاطوم أن زوين تجازوت الاعتراض لاحقاً، لكن اللقاء أجهض بسبب ضيق وقتها.
هنا، اتخذ عرض المشكلة نمطاً جديداً من التعاطي بين المسؤول والإعلام. فالقانون اللبناني لا يعطي المواطن، والصحافي ضمناً، حقّ الاطّلاع على المعلومات التي يريدها، ويبقى الأمر رهناً برغبة السياسي نفسه. لكن حاطوم قال بشكل غير مباشر ما معناه: إما أن تعطونا ما نريد، أو نثير القضية أمام الرأي العام. ومع ذلك، لم يسعَ إلى البحث مع أعضاء اللجنة الآخرين عن سبب عدم انعقاد أي اجتماع طيلة هذه المدة.
من جهة ثانية، لم يحترم البرنامج خصوصية الأطفال عبر الكشف عن وجوههم. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن غالبية وسائل الإعلام اللبنانية ترتكب الخطأ نفسه، في كل مرة تتناول فيه قضية خاصة بالأطفال. هكذا عرضت حالة عائلة لبنانية تعيش في منطقة صبرا، «قدّمت أحد عشر طفلاً للعمل في الشوارع». بحث معها حاطوم عن أسباب عمالة أولادها، لكنه لم يتطرّق إلى شبكات من المحتمل أنها تدير عمل هؤلاء، ولم يسلّط الضوء على كيفية عملها، ومواجهة الجهات المختصة لها. والأهم من كل ذلك، لم يسأل عن مصير الأطفال بعد بلوغهم سنّاً لا يتمكنون فيها من العمل في الشارع. أضف إلى ما سبق، غياب الحديث عن شائعات كثيرة تقول إن بعض الأطفال يتعرّضون لاعتداءات جنسية، ويتمّ إجبارهم على ممارسة الدعارة أو المتاجرة بأعضائهم.
في المقابل، قال أحد الأطفال إنه دخل السجن أحياناً. هنا أيضاً، بدا النقاش ناقصاً: لم تشرح الحلقة كيف يتمّ التعامل معه ومع زملائه في السجن؟ ولماذا لا يُحالون إلى إصلاحيات؟ وما هو أساساً واقع هذه الإصلاحيات التي تُعنى بشؤونهم؟
في نهاية الحلقة، أشارت وزيرة الشؤون الاجتماعية نائلة معوّض إلى أن الأهالي يريدون إبقاء أطفالهم في الشوارع للاستفادة منهم مالياً... ولكن من يتحمّل مسؤولية غياب آليات تطبيق القانون الذي ينص على إلزامية التعليم في المرحلة الابتدائية؟ لا جواب!
وعلى رغم أن حاطوم قرر تقديم برنامج شهري لإعطاء التحقيق والتقصي الفترة اللازمة، يبدو أن الوقت هذه المرة لم يسعفه في تقديم إجابات شافية عن هذه الظاهرة، وخصوصاً مع انشغاله في تغطية أحداث نهر البارد، وغيرها من التطورات الأمنية والسياسية التي شهدتها الساحة المحلية أخيراً. فهل يكون الحظ حليفة في الحلقة الثالثة؟