باسم الحكيمالإذاعة التي نشأت عليها أجيال كاملة منذ الاستقلال، تعود اليوم إلى الأثير. المؤسسة الإعلامية الرسمية نفضت عنها غبار العدوان الإسرائيلي، لتنطلق هذا الصباح، مراهنةً على الموضوعية والتجدد لاسترجاع أيام العزّ... وفي جعبتها، مشروع إطلاق محطة ثانية تُعنى بالرياضة والشباب

بعد عام على إيقاف البثّ، إثر استهداف محطات إرسالها في 16 من تموز (يوليو) 2006 في منطقتي أيطو وعمشيت، ها هي «إذاعة لبنان» تستأنف نشاطها رسميّاً عند الساعة 11 من صباح اليوم، على الموجتين العاملتين 98,1 و98,5 FM. وفي هذه الأثناء، يُعاد تجهيز الموجة المتوسطة 837 AM التي تُرسل من عمشيت وحامات، لتنضمّ إلى البثّ في غضون ثمانية أشهر. وبذلك، تعيد الإذاعة ترتيب أوراقها على مستوى الإرسال والاستديوهات، وخصوصاً أنها تستخدم حاليّاً موجات الـ FM للمرّة الأولى، (وهي الموجات التي كانت تبثّ عليها سابقاً إذاعة «جبل لبنان»)، فيما كان البرنامج الفرنسي يُذاع على الموجة 96,2 FM.
يرى مدير الإذاعة فؤاد حمدان أن عودتها اليوم، تحمل رسالتين واضحتين: «من جهة، هي دليلٌ على أنّ العدوان الإسرائيلي لن يثنينا على استكمال مسيرتنا الإعلامية، وإن تأخرنا قليلاً، بسبب الإجراءات الروتينية للمؤسسات الرسميّة. ومن جهة ثانية، ستدخل الإذاعة مجدداً كل بيت في لبنان، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب... كانت غائبة حتى الأمس القريب عن المواطن اللبناني، لا تعنيه ولا يهتم لها، إذ كانت مصابة بالشلل على صعيد محطات الإرسال. كما كانت قوة بثّها لا تتجاوز 10 واط، في حين أن أي إذاعة لا يجب أن تقلّ قوة بثّها عن 100 واط كحد أدنى».
ويضيف بحماسة: «نحن اليوم كمن ينشئ إذاعة جديدة، مع الأخذ في الاعتبار تاريخها وتراثها. نسعى إلى أن تحتلّ مكانتها اللائقة بين وسائل الإعلام، مراهنةً على الصدقية والموضوعية في التعاطي مع المادة الإذاعية والرأي العام». لكن ماذا عن الأضرار والخسائر التي خلفها العدوان؟ يقدر حمدان القيمة بين 600 و700 ألف دولار أميركي، بسبب تدمير محطة أيطو تدميراً كاملاً. أما كلفة الاستديوهات التي توّلت تجهيزها شركة «شتودر» السويسرية، فتصل إلى حدود 6 ملايين دولار.
تأخّرت عودة الإذاعة إلى قلوب المستمعين طويلاً. قبل نحو ثلاث سنوات، جرت التحضيرات على قدم وساق لاستعادة وهج أيام زمان، فماذا حدث؟ يؤكد حمدان: «كنا محكومين بتطورات خارجة عن إرادتنا. فالغزو الأميركي للعراق أثّر بشكل مباشر علينا، لأن المهندسين الأميركيين الذين كانوا يعملون في محطة الإرسال الكبرى في منطقة حامات الشمالية، غادروا عملهم بأمر من الإدارة الأميركيّة. وإذا بنا نواجه أزمة حقيقية منعتنا من استكمال الخطة الموضوعة».
يرفض اعتبار ما تعرّضت له الإذاعة بمثابة حرب عليها. إنما كيف يفسّر توقيف محطة حامات ـــــ وجه الحجر، بعد مدة وجيزة على تشغيلها؟ يجيب: «الحجة المتداولة هي أن محطة البثّ تضرّ بالصحة العامة». لكنه يعزو ذلك إلى «الأعطال ليس إلّا، لأن المهندسين الأميركيين لم يتمكنوا من الوصول إليها». ولماذا لم تتم الاستعانة إذاً بمهندسين لبنانيين؟ يشير إلى «أننا لم نكن قد تسلمنا المحطة بعد من الشركة الأميركية التي التزمت المشروع... أما اليوم، فقد وضعنا ترتيباً جديداً، وستتولى شركة محلية هي «إنفو لينك» الإشراف على وضع محطات الإرسال التابعة للإذاعة اللبنانيّة».

الإعلانات والمنافسة

يقال إن المحطة التي بدأت بثها التجريبي في 16 تموز (يوليو) الجاري، ستدخل قريباً السوق الإعلانيّة؟ يجيب فؤاد حمدان بأن «هذا القانون ينتظر إقراره من قبل اللجان النيابية المختصة، إلا أن عدم انعقاد الهيئة العامة للمجلس يجعل صدوره متعذراً. ولكن ما إن يقرّ، ستدخل الإذاعة بموجبه سوق الإعلان، ويصبح لها وجه تجاري». ويحرص على أن ينأى بالإذاعة عن منافسة مفترضة مع باقي المحطات المحلية، «هي منبرٌ رسمي، وعليها احتلال مركز مهم، وأخذ موقعها الطبيعي لخدمة الوطن والشعب».
وإذا كانت الإذاعة قد حققت في الماضي دوراً ريادياً، حينما كانت تصدّر المواهب الفنية إلى العالم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فإن حمدان يكتفي بالتأكيد على «سعينا لاستعادة هذه الصورة كما كانت، وربّما أفضل. ولو لم يكن لدينا مثل هذه الرؤية، لما جهزنا المحطة بكل هذه المبالغ الطائلة». ويشير إلى أن «الإذاعة تتضمن سبعة استديوهات للبرنامج العربي، منها أربعة للهواء والبث، وثلاثة لتسجيل البرامج التمثيلية والحواريّة... وبهذا أصبحت مكتملة العناصر، ولا ينقصها شيء، تماماً كما جهّزت في العامين 2003 و2004 استديوهات برنامجها الفرنسي».

ثروة وطنية

أخيراً، يكشف فؤاد حمدان عن إطلاق إذاعة خاصة للشباب والرياضة قريباً من أحد الاستديوهات، «على أن تكون موجهة للشباب وتعنى بالرياضة والبرامج السريعة و«الفرانكو أراب»... لكنه يفضل عدم استباق الأمور والكشف عن تفاصيل «من المبكر الكشف عنها». أما بالنسبة إلى المادة الأرشيفية التي تحتفظ بها الإذاعة التي أنشئت في عام 1938 باسم «راديو الشرق»، فيشير إلى «ضرورة استثمار هذه الثروة، عبر إعادة منتجة المواد وتسجيلها». وماذا عن المواد المسجلة على أجهزة قديمة؟ يؤكد أن «معظم مواد الإذاعة تعمل وفق نظام «أنالوغ». وبما أننا دخلنا عصر «الديجيتال»، سنعمل على ثلاثة أنظمة، عبر استخدام «أشرطة «الريل» و«سي دي» والكاسيت، على أن تدخل عبر التجهيزات الجديدة وتنسخ على «سي دي». ويكشف عن «خطة متكاملة تدرس مع وزير الإعلام غازي العريضي، والمدير العام لوزارة الإعلام حسان فلحة، للبدء بنسخ المكتبة وإدخالها على أجهزة كومبيوتر حديثة».
وينفي ما تردد عن توزيع هذا الأرشيف على بعض الإذاعات المحليّة، «بعضهم سجل موادّ من المكتبة، لكن ليس على أيامي. والتسجيلات الأساسيّة ما تزال موجودة، علماً بأن بعض الأشرطة المسجلة غير صالحة للبث، وسنعمل على معالجتها... كما سنستعين بأرشيف الإذاعات العربيّة ولا سيّما إذاعتي «صوت العرب» و«القاهرة»، والأهم من ذلك تنفيذ مشروع شراء مكتبة إذاعية ضخمة وخاصة قريباً».

يمكن التقاط الإذاعة اللبنانية على الموجتين 98,1 و98,5 FM