خليل صويلح
يؤكد فوزات رزق في كتابه «في قديم الزمان ـــ دراسة في بنية الحكاية الشعبية» (وزارة الثقافة ـــ دمشق) وحدة الحكاية الشعبية العربية، إذ تتكرر الحبكات في معظم الحكايات أكانت مصرية أم شامية أم غيرها. ويشير الباحث السوري إلى ثلاث مرجعيات أساسية في نشأة الحكاية الشعبية: المراجع الدينية مثل قصة يوسف وقصة سليمان، والمراجع الأسطورية (أسطورة الفينيق). أما النوع الثالث فهو مستمد من «ألف ليلة وليلة» و«كليلة ودمنة» وسير الأبطال.
إذاً، تشبه حكايات الجدات كرة الثلج، تجمع في مسارها الموروث الشعبي من فضاء مكاني إلى آخر بتغيرات طفيفة. ولعل النظر في وحدة أصل الحكاية الشعبية العربية ينقلنا ـــ وفق فوزات رزق ــــ إلى نقاط التلاقي بين الحكاية الشعبية والحكايات العالمية، ما يؤكد الهوية المشتركة لكلّ الحكايات العالمية ويفسر تشابه التجربة الإنسانية.
ليست عبارة «كان ياما كان» وحدها مفتاح الحكاية الشعبية وإن كانت هي الأكثر شهرة، فهناك عبارات أخرى في تاريخ السرد العربي مثل «زعموا أنّ» كما في «كليلة ودمنة»، و«قال الراوي» في السير الشعبية. وكما أنّ الحكاية الشعبية تبدأ بعبارة محدّدة، تتطلّب الخواتم السردية عبارات محددة لإنهاء الحكاية. فإذا كانت الحكاية مروية في الفصحى، يختار الراوي عبارة «والسلام ختام» مثلاً. فيما نجد عبارات أخرى في خواتم الحكايات المروية مثل «توتة توتة، خلصت الحدوتة» أو «حكايتي حكيتها بعبكن حطيتها». وتشترك الحكايات الشعبية في جملة سمات سواء لجهة الوصف أو بنية الشخصية. فهذه الأخيرة إما أن تكون واقعية (ملك، وزير..) وإما مؤنسنة كما في حكايات «كليلة ودمنة» وإما شخصية ميتافيزيقية (المارد، الجن...).
ويتوقف الباحث عند الفضاء الزماني والمكاني في الحكاية الشعبية، ويجد أنّ الزمان والمكان مفتوحان غالباً ويعتمد السارد على وسائل حكائية تنقذه من الإطار الواقعي للحدث باستعمال بساط الريح للانتقال من مكان إلى آخر بسهولة مطلقة «وتتلاعب الحكاية الشعبية في الزمن تلاعباً شديداً. إذ نراها مرة تختصر الزمن اختصاراً مذهلاً لتعبّر ببضع جمل سردية عن مرحلة عمرية كاملة. ونراها مرة تحبس الزمن في قمقم ذاهبة بالمتلقي في رحلة فانتازية حتى إذا صحا وجد نفسه في الموضع الذي وضعه فيه السارد بداية». ويعتمد الراوي على 30 حبكة في نسج الحكاية، تتكرر بآليات متشابهة. هكذا تتكرر حبكات «البئر والصندوق والإغواء....»، لتفسير مصائر الأبطال والفخاخ التي تنصبها الحكاية لهم قبل أن ينجو البطل بمعجزة.
وتشير المراجع إلى أنّ الحكاية الشعبية هي البنت الشرعية للأسطورة خرجت من معطفها «فهي حطام الأساطير وبقاياها أو أشلاؤها المتأخرة»، حسب ما يشير شوقي عبد الحكيم في كتابه «الحكاية الشعبية العربية». وتالياً، فإنها تختلف عن الحكاية الخرافية في مقوماتها ومدلولاتها السردية.