محمد خير
في نظرتهم إلى الغرب، لا يميز العرب عادة بين الأوروبيين والأميركيين الشرقيين من الأوروبيين والغربيين منهم، كما لا يفرّقون بين سكان العواصم الغربية وسكان الضواحي. ويسخرون عادةً من وصف الأميركيين أنفسهم بأنّهم من أكثر شعوب الأرض تديّناً. مع أنّ إحصائية أعدتها مجلة «دير شبيغل الألمانية» أكدت أنّ 50 في المئة من الأميركيين يرتادون الكنيسة أسبوعياً، وأنّ 95 منهم يؤمنون بوجود الله. هذه الإحصائية قدّمها الناشر عادل المعلم في مقدمة كتاب «بلد الله/ الدين في السياسة الخارجية الأميركية»، للكاتب الأميركي والتر ميد، وقد صدر حديثاً في القاهرة، عن مكتبة «الشروق الدولية»، من تعريب حمدي عباس.
ليست الإحصائية المذكورة أعلاه مجرد أرقام، بل هي دليل عملي على أنّ اللغة الدينية التي يستخدمها الرئيس جورج بوش، ليست نغمة شاردة عن القطيع، وأن حديثه عن «الحروب الصليبية الجديدة» واستلهامه قراراته من الكتاب المقدس، ليسا تعبيراً عن حالة تديُّن خاصة لدى الرئيس الأميركي، بل هو لعب على أهم أوتار الكتلة التصويتية الأهم في الولايات المتحدة: المسيحيون البروتستانت المؤمنون، أولئك الذين ابتاعوا عام 2004 كتباً دينية بلغت قيمتها ملياري دولار أميركي، وهو رقم فاق ما دفعه العرب على القراءة في كل المجالات في السنة نفسها. وحصل بوش بالفعل على معظم أصوات المسيحيين المؤمنين، وحصد 75 في المئة من أصوات الإنجيليين، أي الذين يؤمنون بعصمة الكتاب المقدس ومرجعيته العليا وينتظرون القدوم الثاني للمسيح. لقد كسب بوش ثقة هؤلاء، عندما قال في كتابه «مهمة للأداء» المنشور قبل ترشحه للرئاسة: «لم أكن أستطيع أن أصبح حاكماً ما لم أؤمن بخطة إلهية تنسخ كل الخطط البشرية».
إن استيعاب التأثير المسيحي في الثقافة الأميركية هو السبيل الوحيد لفهم تناقضات سياسة البلد الأقوى في العالم، وتفسير المشهد الأميركي الذي يبدو أحياناً حلماً لملايين البشر في كل أنحاء العالم، ويبدو أحياناً أخرى كابوساً مقيماً، كما هي الحال عند ملاحظة المساندة الأميركية الداعمة للجرائم الإسرائيلية. فكيف يتوافق الضدان؟
إن تصاعد نفوذ الإنجيليين في السياسة الأميركيّة أدى إلى زيادة مساهمة الأميركيين في المساعدات الإنسانية للعالم الثالث، فارتفعت مساعدات أميركا إلى أفريقيا بنسبة 67 في المئة، متضمّنة 15 مليار دولار لتغطية مكافحة الإيدز. وذلك النفوذ المسيحي هو الذي دفع الكونغرس إلى تبني قضية الحرية الدينية في العالم وقضايا الأقليات. لكن ذلك النفوذ المسيحي الأصولي هو نفسه الذي حوّل المساندة الأميركية الكلاسيكية للكيان الصهيوني إلى دعم غير مسبوق، وخصوصاً في عهد جورج بوش، حتّى بات يصعب التمييز بين البلدين!