عبادة كسر
كأن ذاكرة «أوتيل الخوام» في بعلبك وأماكنه أضحت سجينة زمن آخر . فقد رحل عنه الحالمون والشعراء والغرباء. «ذاكرة» الفندق حافلة بمناخات لطالما عرفها البعلبكيون، الجلسة قرب «قبر اليهودي» تختلف عن مناخ الجلسة قرب «حاووز المي». كان البعلبكيون يقصدون «الخوام» حتى الثمانينات للاحتفال «بعيد النيروز»، أو لتناول الفطور الصباحي بعد «السيران». إليه أيضاً كان يهرب العشاق ليبتعدوا عن أنظار الناس. ولطالما كان «الخوام» مقصداً للاستشفاء وتنشق رائحة بخور الصنوبر. «برج الحمام» كان يقبع في الطرف الشرقي من «الخوام»، وقد تغنى الشاعر طلال حيدر بسحره فغنته فيروز «برج الحمام مسوّر وعالي، هج الحمام وبقيت لحالي».
يحكي أبناء مدينة الشمس عن كولونيل ألماني لا يحفظون له اسماً أو صورة، هو الذي بنى واجهة «الخوام» عام 1905، إثر وجوده في بعلبك مع بعثة للتنقيب عن الآثار، ونقل عائلته معه، وكان ابنه يعاني الربو، فجاء به ليتمتع بالهواء العليل في «رأس العين»ـــــ بعلبك. وقد زرع الكولونيل على أحد مرتفعات منطقة رأس العين أكثر من 3000 شجرة صنوبر وسرو، إضافة إلى أشجار الزيتون واللوز الصامدة منذ أمد سبق البعثة. بلغت مساحة حرج «الخوام» 84 دونماً.
بنى الكولونيل الألماني واجهة للأوتيل، وجاء من بعده آل الخوام وأضافوا إليه طابقين، ليتألف من 24 غرفة وصالونين كبيرين وبار ومطبخ و11 شاليه، بُنيت جميعها بالحجر المقصوب، إضافة إلى ملعب لكرة المضرب ودولاب الهواء على المدخل وبرج الحمام من الناحية الشرقية. ومن اللافت أن منطقة الخوام (أي الفندق ومحيطه) تحولت إلى مرتع لكل باحث عن جو من الهدوء. في دفاتر الحسابات القديمة والسجل الذهبي للفندق نجد أسماء الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول والرئيس السوري السابق شكري القوتلي والملك فيصل والملك حسين ويوسف العظمة والمراقبين الدوليين الذين أتوا إلى المدينة عام 1958 وفيروز وأم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب، وغيرهم. كان خليل ياغي، الذي ورث العمل في الفندق عن والده، مولعاً بمتابعة حركة محمد عبد الوهاب الذي كان يقضي شهراً كاملاً كل سنة في شاليه خاص به أُطلق عليه اسم «سويت محمد عبد الوهاب». ويروي أن «سيارة الفورد أبو دعسة كانت تقل السياح والرؤساء وكل زائري الأوتيل من محطة القطار في المنطقة، وكان من أكثر رواده أبناء الطبقة السياسية السورية أمثال هاشم الأتاسي، وناظم القدسي، ورشدي الخيخة»، ويضيف: «كانت اجتماعات الطبقة السياسة السورية تُعقد دورياً في الخوام».
ويقول المحامي منيب حيدر: «أراد الرئيس كميل شمعون أن يجعل من هذا الأوتيل مقراً صيفياً لرئاسة الجمهورية، لكن الحلم تبدد مع ثورة 1958». وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن أهالي بعلبك كانوا يناصرون الرئيس المصري جمال عبد الناصر ولم يكونوا يحبذون الاتجاهات السياسية المعارضة له.
تعرض «الخوام» لاعتداءات إسرائيلية جوية عام 1982 ثم عام 1996، وقد أتت القذائف على كل الفندق ولم يبق إلا شاليه واحد وسويت عبد الوهاب وغرفة للمكيف والتبريد وحفظ الفاكهة، وبعض دفاتر الحسابات القديمة.
وقام رجل الأعمال مصطفى ناصر بشراء الخوام وما بقي من الأوتيل.