بيار أبي صعب
ذات يوم، حزم الشاب العشريني حقائبه وعاد إلى بيروت. ماذا جاء يفعل هنا؟ كانت الدنيا بألف خير، وأوهام «البناء» «المستقبل» والسلم الأهلي والازدهار في أوجها. وكان كريم غطاس العائد من باريس، قد تعب من أن يكون مواطناً في فرنسا فقط. فرنسا التي لجأ إليها مع عائلته، خلال الحرب، وفيها كبر، وإليها انتمى حتى لم يعد يتقن العربية بشكل كاف.
عاد كريم إذاً يبحث عن جذوره، وكان شبح 14 شباط 2005 ما زال بعيداً عن المدينة. فكّر أن يضع خبرته العميقة والواسعة في عالم الجاز، في خدمة لبنان المراهن وقتذاك على دور إقليمي وعالمي في مجال صناعة الثقافة والترفيه.
قرر أن يستثمر هذه الخانة الفارغة: الجاز هنا طقس عابر بين طقوس كثيرة. والمهرجانات الدولية تخلط المدارس والأذواق. فكر أن يتخصص في الجاز، ودوائر تأثيراته الكثيرة في عالم الموسيقى المعاصرة. هكذا ولد Liban Jazz. نظرنا بكثير من الريبة إلى هذا الشاب النحيل، الخجول الذي يرطن في العربية: هل هو جاد حقاً في ما يسعى إليه؟
اليوم انحسرت الأوهام الحريريّة الجميلة للأسف. وعاد لبنان إلى حقيقته: غابة تتناحر فيها الجماعات، والطبقة الفاسدة المرتهنة، تستأثر بامتيازاتها مقامرة بالبلد نفسه. والشاب المتحمس للجاز استثمر في تظاهرات ضخمة، كاد يجرفها الطوفان.
لبنان اليوم أرض يباب بين معركتين. لكن كريم بقي هنا، لقد عاد ليصبح لبنانياً، ليسترد تلك اللعنة. عاد ليواجه مصيره.