موسكو ـــ حبيب فوعاني
قناة «أجنبيّة» جديدة بالعربيّة تنطلق هذا الصباح. إنّها «روسيا اليوم»، آخر الوافدين إلى المشهد الفضائي المزدحم. تهدف إلى تعريف المشاهد العربي ببلاد دوستويفسكي وبطرس الأكبر... ودحض الأفكار المسبقة في الإعلام الغربي عن بلد الصقيع والفودكا والدببة!

في العهد السوفياتي، كانت صحيفة «أنباء موسكو» الروسية تُصدِر نسخة عربية ذات مستوى جيد، عُدّت حينها جسراً إعلامياً فاعلاً بين موسكو والعالم العربي. وبعد مجيء ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة في عام 1985، وإعلانه سياسة «البيريسترويكا» (إعادة البناء)، ترأس الصحافي الروسي اليهودي يغور ياكوفليف الصحيفة في عام 1986. وكان أول ما قام به في بداية «الهجمة الليبرالية» الغربية على روسيا، إلغاء النسخة العربية، وطرد العاملين العرب والمستعربين فيها، متسائلاً بسخرية على شاشة التلفزيون السوفياتي عن الحاجة إلى اللغة العربية.
كان يجب أن يمضي 21 عاماً حتى يدرك الديوان الرئاسي في الكرملين، بعد عودة الدفء إلى العلاقات الروسية ـــ العربية، في ولاية فلاديمير بوتين الثانية، أن اللغة العربية ضرورية، لكن التفاعل معها جاء هذه المرة... تلفزيونياً.
بعد إطلاق مشروع فضائية Russia Today باللغة الإنكليزية في عام 2005، عيّن أكرم خزام (مدير مكتب «الجزيرة» في موسكو سابقاً) في شباط (فبراير) 2006 مشرفاً عاماً على مشروع «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية. لكن مرحلة اختيار كوادر القناة الجديدة طالت، ولم يبدأ العمل فيها حتى آب (أغسطس) من العام نفسه. وفيما تردد في الأوساط الإعلامية في موسكو احتمال إلغاء المشروع، قدم خزام استقالته مصرحاً لصحيفة «فريميا نوفوستيي» الروسية في 4 آب (أغسطس) 2006: «بدا لبعضهم أني مستقلّ أكثر من اللازم»، علماً بأن مسؤولي القناة الذين التقتهم «الأخبار» رفضوا جميعاً التعليق على فترة عمل الإعلامي السوري، معتبرين ذلك من الماضي. هكذا بقي المشروع معلّقاً حتى وقع الاختيار في بداية هذا العام على المستعرب الروسي يفغيني سيدوروف لرئاسة التحرير.

ما يطلبه المشاهدون

من يدخل مطبخ التحرير في القناة التي تقع داخل مبنى وكالة «ريا ـــ نوفوستي» للأنباء في موسكو، يلحظ خلية النحل التي يديرها سيدوروف في أروقة المحطة... عشرات الموظفين العرب والروس يتراكضون في كل ناحية، وكأن البث ليس تجريبياً. والاستوديو الجديد مجهّز بعشرات الكومبيوترات الحديثة، الموصولة بأحدث أنظمة الإنترنت الفرنسية الداخلية والخارجية، وبأبرز وكالات الأنباء العالمية.
لدى سيدوروف الذي يتقن العربية، تجربة كبيرة في الإعلام والإدارة. إذ عمل في وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة عدة، بينها مذيعاً في «راديو موسكو» السوفياتي في قسم اللغة العربية، ومراسلاً لفضائية «النيل» المصرية. يتحدث في مكتبه بشعور يفيض بالتفاؤل والعزم لإنجاح المشروع الضخم... يطل مذيع عربي على شاشة القناة الداخلية، يعلّق بجدية على وقائع دفن أول رئيس لروسيا الحديثة بوريس يلتسين، وكانت المحطة تنقلها مباشرة. يقطع سيدوروف حديثه لتوجيه التعليمات بين الحين والآخر، والرد على الاتصالات الهاتفية المتواصلة. ثم يلتفت إلى محاوره ويؤكد أن القناة تنطلق صباح هذا اليوم، بمعدل 20 ساعة بث يومياً.
يبدو سعيداً لتحقيق «ما كان ينتظره المشاهد العربي» أخيراً، مراهناً على تلبية حاجات المشاهد، وتغطية جميع جوانب الحياة المعاصرة في روسيا: السياسية والثقافية والاجتماعية والرياضية، وللمرة الأولى باللغة العربية. إضافة إلى تخصيص مساحة كبيرة للبرامج التاريخية والأفلام الوثائقية. أما بالنسبة إلى اختيار الكوادر، فيشير إلى أن الإدارة جمعت بين توظيف الإعلاميين ذوي الخبرة وتدريب الشباب الموهوبين. هؤلاء لم تكن لديهم التجربة الكافية يوم دخلوا مبنى المحطة، فيما أصبحوا اليوم ذوي خبرة تلفزيونية وقدرات متمكنة.

بوق للسلطات الروسية؟

لا يجد سيدوروف أي تسرع في بدء عمل القناة لأن البث التجريبي انطلق قبل أكثر من 4 أشهر (منتصف كانون الأول 2006). ويؤكد أن «روسيا اليوم» لن تكون بوق دعاية للكرملين، كما كان «راديو موسكو» السوفياتي مثلاً. ويشير إلى أن مهمتها ترتكز في المقام الأول على نقل الأخبار، ويقول بحزم إن لدى الإدارة من الاستقلالية والإرادة ما يكفي لمواجهة أي ضغوط. من هنا، لا تطمح القناة إلى منافسة القنوات الأخرى، إنما يكمن هدفها في ملء الفراغ الإعلامي الروسي على الساحة العربية، «بمهنية وموضوعية عبر نقل صورة حقيقية عما يجري في روسيا». أضف إلى ذلك تغطية ما يجري من أحداث في العالم العربي، متوجهة بذلك إلى الناطقين بلغة الضاد أينما كانوا. أما تغطية الأحداث الروسية والعربية والعالمية، فتتوزع حسب أهميتها.
وماذا لو جاء المعارض الروسي غاري كاسباروف، وطلب إعطاءه فرصة الظهور في القناة؟ يجيب سيدوروف: «المجال مفتوح أمامه وغيره من المعارضين الروس لإبداء وجهة نظرهم، ما دام ذلك لا يخالف القوانين الروسية». وتجدر الإشارة إلى أن قناة Russia Today الإنكليزية تغطي تظاهرات المعارضين الروس، وتفسح المجال أمام النواب المعارضين للظهور على شاشتها. وتجهد في تقديم صورة حقيقية مخالفة لما يحاول الإعلام الغربي إيصاله عن روسيا، وتتمثل في كونها بلد الصقيع الدائم والفودكا والدببة وديكتاتورية المخابرات السوفياتية «كي جي بي». من هنا، انطلقت فكرة «روسيا اليوم» العربية، على أن يصار قريباً إلى إنشاء محطة مماثلة باللغة الاسبانية، وللغاية نفسها.