القاهرة ـ محمد محمود
لم يكن المخرج يوسف شاهين يتخيّل يوماً أن المشهد المؤثر لإعدام الممثل القدير عبد الوارث عسر في فيلم “صراع في الوادي” سيتحوّل إلى إعلان ساخر عن مكيّف هواء، بعد 53 عاماً... أو أن يصبح الممثل الراحل ـــ رغماً عنه ـــ “موديلاً” يرحّب بالموت شرط الحصول على بعض الهواء المنعش من المكيّف الذي يدور حوله الإعلان. المشهد الشهير مثّّل منعطفاً في تاريخ سينما تلك الأيام. إذ كانت المرة الأولى التي يُعدم فيها المظلوم، فيما المشاهدون يعرفون سلفاً أنه ليس القاتل. لكن لا خصوصية المشهد، ولا حتى أهمية الفيلم الأول لعمر الشريف، كوّنا عامل ردع لأصحاب الوكالة الإعلانية التي زيّفت الصورة واستعانت بمقلّد للأصوات، من أجل تسجيل عبارات جديدة بصوت عبد الوارث عسر. كل ذلك، قبل أن ترسل اللقطات إلى شبكة “أوربت” التي تبثّها حالياً بكثافة تمهيداً لعرضها لاحقاً على القنوات غير المشفّرة. لكن هاتور ولوتس عبد الوارث عسر لم تعجبا بالفكرة، وتوجهتا إلى قاعة المحكمة التي تنظر حالياً بطلب وقف الإعلان. وهو ما قد يحدث فعلاً ليس فقط بسبب السخرية من الممثل الشهير الذي عرفه الجمهور “طاعناً في السن” طيلة الوقت، بل لأن أصحاب الإعلان لم يراجعوا عائلته ويأخذوا الإذن. وبما أن قرارات المحكمة تصدر غالباً بعد فوات الآوان، فقد ينتشر الإعلان ويبقى عالقاً في ذاكرة الناس. وربما لهذا فشلت سابقاً كل الاعتراضات على “انتهاك حرمة” ممثلين راحلين، واستغلال مكانتهم لدى الناس من أجل الترويج لسلعة، فشل أصحابها في البحث عن فكرة مبتكرة لبيعها.
قبل سنوات، استُخدم كل من عبد الفتاح القصري، إسماعيل ياسين، عبد السلام النابلسي وزينات صدقي، رباعي الكوميديا الشهيرة في الخمسينيات والستينيات، في إعلانات شبيهة. وبين الفول المدمسّ والدجاج المثلّج، أطلّ هؤلاء عبر الصوت والصورة أو عبر الصوت فقط. وهو ما دفع بالناقد المعروف سمير فريد في جريدة “المصري اليوم” إلى المطالبة بـ “إصدار قانون جديد أو إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات، تجرم تزوير الصور بكل أنواعها، وتجرم نشر الصور المزورة في أي وسيلة إعلامية... والتزوير يشمل تلوين الصور المصورة بالأبيض والأسود، واستخدام أصوات جديدة على صور قديمة أو العكس”.
غير أن تراث السينما المصرية الصوتي يواجه من جهة أخرى هجوماً من شركات نغمات المحمول التي تعتدي هنا على حق الممثل. إذ تتعاقد مع الشركات المالكة لحقوق توزيع الأفلام المصرية القديمة، للحصول منها على مقاطع صوتية، يتم استخدامها على سبيل المزاح بين المراهقين والأطفال. وأكبر دليل على أن ابداعات كبار الممثلين هي الأكثر رواجاً، استخدام العبارة الشهيرة بصوت الفنانة هند رستم من فيلم “إشاعة حب” في الإعلان عن تلك الخدمات. وللأسف، لا تملك هند رستم ـــ على رغم أنها لا تزال على قيد الحياة ـــ ولا باقي الفنانين بالطبع، حقّ الاعتراض لأن المنتج الحالي يملك حق التصرف بكل ما يحتويه الشريط السينمائي.