strong> باسم الحكيم
ربما بدأت أخيراً الدراما اللبنانيّة تسير بخطوات ثابتة وواثقة نحو الأمام، بعدما عمد بعض كتّاب السيناريو إلى صياغة حواراتهم بلغة قريبة من تلك المتداولة بين الناس، من دون اللجوء إلى الخطابة والإنشائيّة. على رغم ذلك، لم تحصل الدراما حتى اليوم على فرصتها الذهبيّة على الشاشات المحليّة التي لا تعترف بها أصلاً. ولعلّ حلقات “نضال” من “سلسلة زمن” للكاتبة كلوديا مرشليان والمخرج إيلي حبيب، أحد الإنتاجات الواعدة في هذا الاتجاه. وقد تميّز العمل (تعرض LBC حلقته الأخيرة غداً) بنصّه السلس البعيد عن الجمل المركّبة والحوارات الفلسفيّة، وتلقائيّة أداء معظم ممثليه. وإذ تعتبر خطوة جريئة من شركة “رؤى” الدخول في إنتاج أعمال تبحر في التاريخ، فإن العمل لم يأت بالمستوى الإنتاجي المرسوم له. وستُظلم الشركة حتماً إذا ما أُدخل مسلسلها في مقارنة مع الدراما السوريّة التي ترصد الحقبة نفسها: فترة الاحتلال العثماني والتنكيل بالشعب وإعدام الصحافيين، لا لأن الدراما السوريّة تصوّر هذا النوع من الأعمال في حارات شعبيّة تضفي صدقية على الأحداث المصوّرة فحسب، بل لسخاء المنتجين السوريين على أعمالهم حتى في ما يخصّ الكومبارس. وها هو مشهد الإعدام في الساحة العامة (في “نضال”)، يفضح تواضع الإنتاج المحلي. وإذا كان من المنطقي أن يمتلىء المكان بالكومبارس لإعطاء مزيد من الصدقية، نرى الكاتبة على ما يبدو تقحم الأبطال في الصورة لزيادة عدد المتجمهرين في الساحة قليلاً، ولا ضير من الاستعانة ببعض التقنيين والفنيين. وإذا بالمكان يغصّ فقط بجواسيس الدولة العثمانيّة والثوّار والجنود من دون أي أثر للمواطنين! هكذا أيضاً لم تخرج بعض الأحداث عن حدود الرواية، عوض تصويرها لتبدو أكثر إقناعاً وملامسةً لوجدان المشاهد. ولعلّ حكاية المناضلة كفا (نغم أبو شديد) مثال حيّ على ضعف الإنتاج، على رغم أن إحساسها أثناء سرد قصتها أدى دوره إيجاباً، وسمح للمشاهد أن يبحر في خياله. أضف إلى ذلك، أن بعض اللقطات، ولا سيّما في الحلقات الأولى، شهدت أخطاء على مستوى الصورة. وقد ظهرت سيّارات تمرّ على أوتوستراد منطقة الدامور حيث منزل “مريم” (ندى أبو فرحات)، وإلى جانبها البنايات الحديثة الطراز، علماً بأن المخرج يؤكد أنه سيعيد توضيب هذه المشاهد على الكومبيوتر عند عرضه فضائيّاً.
وإذا كان حبيب قد اهتم بجمالية كادراته، ولو مع إضاءة خافتة، لاعتماد العمل بقوّة على المشاهد الليليّة، فإن لمسته الإخراجيّة لم تسمح له بالسيطرة على أداء الممثلين. وها هو جوزيف بو نصّار يغالي بانفعالات دور الباشا، وبتفخيم أحرف اللغة العربيّة. أما عمّار شلق الذي يؤدي دور الصحافي “وسيم أبو السعد”، المؤمن بضرورة بسط الدولة اللبنانيّة سيطرتها على أراضيها، رافضاً المكاسب التي تحصل عليها عائلته من الباشا، فقد بدا حيناً موفّقاً في الأداء وعفوياً، لكنه جنح نحو الأداء الخطابي المسرحي في حين آخر. ربّما يعود ذلك إلى تأثره بدور تشي غيفارا في العمل المسرحي الذي حمل اسم الثائر الأرجنتيني، وعُرض في بيروت تزامناً مع تصوير المسلسل. ونجحت عارضة الأزياء بياريت قطريب التي جسّدت دور الفتاة الأرستقراطيّة في الامتحان التمثيلي الحقيقي الأوّل، بعد تجارب خجولة في برامج ساخرة وإعلانات تجاريّة. من جهته، لم يحرص شادي حداد على الاهتمام بالشخصيّة على مستوى المضمون فحسب، بل على مستوى الملابس التاريخيّة والإكسسوارات والشكل الخارجي أيضاً، وذلك بمساعدة المديرة الفنيّة للعمل عبير جمال، غير أنه سقط أيضاً في فخ الخطابة.
على أي حال، يبقى “نضال” عملاً لبنانياً بامتياز، إذ لم تستوح قصّته من الروايات المكسيكيّة الطويلة المتكررة، بل من صميم التاريخ اللبناني. وإن نسبة مشاهدته المرتفعة تؤكد أن المشاهد اللبناني يبحث عن المحلي المغيّب عن بقية الشاشات. وهناك حكماً من سيكون متلهّفاً لمتابعة الحلقة الأخيرة التي تحمل أملاً في غد مشرق لشخصياته “اللبنانيّة”، ونهاية منطقيّة لسفاحي الدولة العثمانيّة.

غداً عند الساعة 20:45 على LBC