محمد شعير
خـــــــــــطّط إبراهيم أصــــــلان لكتابة جزء ثانٍ من روايته الشـــــــــــــهيرة “مالك الحـــــــــــزين” (1986) لكــــــــــــــنّه تراجع عن الفــــــــــــكرة بعدما تحوّلت الـرواية إلى الفيلم الشهير “الكيـــــــــــــــت كات” (1991) الذي حقق نجاحاً ملحوظاً وانــــــــــــتشاراً كبيراً. يومها، لم يكن هذا الروائي المــــــــــصري يستثمر نـــــــــجاح الفيلم على حد تعبيره.
في كتابه النثري “شيء من هذا القبيل” الذي صدر منذ أيام عن “دار الشروق” المصرية، يتتبّع أصلان مصائر الشخصيات الحقيقية لروايته. ما الذي جرى لشخصيات مثل الشيخ حسني الضرير وابنه يوسف والعجوز تاجر المخدرات وتاجر الطيور... وغيرهم؟
يقول أصلان: “بعدما خرج تاجر المخدرات (الشخصية جسّدها الفنان نجاح الموجي في الفيلم) من سجنه جلس مع زوجته التي كانت جميلة. وضعت رأسها على كتفيه وارتاحت قليلاً ثم ماتت. انتابه هلع كبير ولم يخرج من بيته لشهور. ثم أطلق لحيته ووضع عمامة كبيرة، وأمسك بعصا طويلة، وصار يغادر البيت قبل صلاة الفجر، يجوب يومياً حواري إمبابة يدقّ الأرض بعصاه وينادي: “الصلاة خير من النوم”. وما إن تبدأ الصلاة حتى يعود إلى البيت ولا يدخل الجامع أبداً.
أما المعلّم تاجر الطيور ــ كما يقول أصلان ــ فهدّم المقهى بعد شرائه وشيّد مكانه بنايةً كبيرةً. لكن مرضاً عضالاً أصابه في حنجرته، فسافر إلى لندن للعلاج، حيث وضعوا في رقبته ثقباً معدنياً للتنفّس.
وبعدما عاد إلى مصر، كان يجلس كعادته في محله لبيع الدجاج يشرف على عمّاله وهم يزنون أو ينتفون الدجاج. وحدث أنّ الزغب المتطاير في أجواء المكان سدّ هذه الصفارة واختنق المعلم، ليموت على أبواب دكانه.
أما الشيخ حسني الضرير، الشخصية البديعة التي جسّدها الفنان محمود عبد العزيز فكان الطالب الأول فى معهد الموسيقى العربية. كان يعشق عبد الوهاب ويحفظ المواعيد التي تبثّ خلالها الإذاعات أغنياته. وكان يعمل مدرّساً للموسيقى، لكنّ إدمانه “للمسائل” وهو الاسم المهذب الذي يختاره أصلان للحشيش والمخدرات، وعدم اهتمامه بمظهره جعل إدارة المدرسة تتخلّى عن خدماته وتطلب منه أن يرسل شخصاً في أول كل شهر لقبض مرتّبه.
هكذا يتتبّع أصلان مصير شخصياته، في كتابة رائقة، تقترب فى مناطق منها من الشعر، وتجمع خصائص أسلوبه الذي تميز به، من الإيجاز الذي يصل إلى حد التقطير لكنّه محمّل بالدلالات، إلى الجمل القصيرة العارية بلاغياً التي تصل في بعض الأحيان إلى السخرية المريرة. كل هذا ليصوغ لنا لقطات بالغة الذكاء والإحكام والانضباط، من أجل النفاذ إلى الجوهر.
الجوهر يجده أصلان في الكتابة عن أشياء تغيب وتذبل: نيل القاهرة (زمان) الذي لم يعد كما كان، ونجيب محفوظ ومحمد عودة، يحيى حقي، إبراهيم منصور... وآخرون منسيون مثل بائعة الصحف الليلية، زوجة البواب التي سافر ابنها إلى العراق منذ 12 سنة وما زالت تنتظر منه رسالة، مدرّس اللغة الإنكليزية في مدرسة إمبابة... وآخرين!