محمد بدير
لا يعود اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية بعمل القسم العبري في تلفزيون «المنار» إلى كونه يمثّل تجربة ناجحة في نقل المشهد الإسرائيلي الداخلي إلى المتلقّي العربي فحسب، إنّما بسبب التأثير غير المباشر الذي يمارسه القسم على الاعلام الإسرائيلي، وبالتالي على المتلقّي. حتى إنّ مراسلي الشؤون العربية في القنوات الإسرائيلية، يهجسون خلال تغطيتهم للحدث اللبناني بالرصد الذي يمارسه «نظراؤهم المعاكسون» في «المنار». هذا الهاجس يصل إلى إقرار المراسل خلال تغطيته لحدث معيّن بأنّ القسم العبري في «المنار» يتسقَّط الآن كلماته ليعيد إنتاجها عبر أثير «حزب الله» بالطريقة التي تخدم توجّهاته. وأدّى ذلك إلى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية في مقاربة المراسلين الإسرائيليين إلى بعض المواضيع اللبنانية الساخنة، بل تجاهلوها أحياناً، بعد أن تسبب التطرق إليها من الزاوية الإسرائيلية، بحرج سياسي لفرقاء لبنانيين ينظر إليهم الإسرائيليون على أنهم حلفاء غير مباشرين، على قاعدة «عدو عدوك صديقك».
شكّلت هذه الظاهرة أمراً لافتاً، خصوصاً أنّها عكست خروجاً على مبادئ مزعومة تتعلق بحرية الإعلام في إسرائيل. لكن الأهم أنّها انطوت على إقرار إسرائيلي ضمني بأن «العرب» خلافاً لصورتهم النمطية في الوعي الإسرائيلي، أصبحوا لا يجيدون القراءة فحسب، بل يعون ما يقرأونه ويتقنون توظيفه جيداً. الأمثلة عديدة على الجدية (وربما القلق) التي تتعاطى بها الدوائر المعنية في إسرائيل مع ظاهرة «العبريين» في الإعلام العربي. نكتفي مثلاً بما صرحت به صحيفة «معاريف»، تعليقاً على برنامج «اليومية» الذي كانت تبثّه «المنار» ويتناول قراءة تحليلية في محاور اهتمام الصحافة الإسرائيلية. جاء في معاريف أنّ «هذا البرنامج يشكّل مصدر قلق لأنّه يدخل إلى كل بيت في لبنان وخارجه ليقدّم إسرائيل على حقيقتها وبلسانها».
يشار إلى أنّ حشرية إسرائيليين دفعت بهم إلى محاولة الاتصال بغرفة عمليات الأخبار في «المنار»، مدّعين أنّهم عرب يطلبون التعرف إلى الكادر العبري في القناة بحجة التعاون الصحافي!