بيار أبي صعب
في السنوات الأخيرة، بات من الصعب إقناع ناشر “يحترم نفسه” بطبع مجموعة شعرية. ضاقت رفوف المكتبات بكتب الشعر، باستثناء الأسماء المكرّسة، والسلع الجاهزة، وخطباء المنابر، وسائر الماركات المسجّلة، والدواوين الرائجة (لأسباب ليس لها دائماً علاقة بالشعر!).
لم نعد نحتفل بولادة الشعراء في بيروت! اختفى جيل أشقياء آخر الحرب (إسكندر حبش، يوسف بزّي، يحيى جابر، فادي أبو خليل، بلال خبيز، شارل شهوان...)، وكان قد سبقهم الأكبر سنّاً إلى الصمت. ضاع أبناء التسعينيات، باتوا شعراء مع وقف التنفيذ. هاجر آخرون إلى الانترنت (على خطى قاسم حدّاد) من وديع سعادة إلى... سوزان عليوان. واستقال كثيرون غير آسفين، أو غير مأسوف عليهم. بقي حلّ واحد: أن تطبع على نفقتك... أو تدفع التكاليف للناشر المعروف، لأن “الشعر لا يبيع”. وإلا فدور شبابية مغامرة على طريقة X O وسواها.
شحّ الشعر إذاً. بات تهمة، أو وصمة. “هل أنا مجنون كي أنشر شعراً؟”، كنت تسمع. وما ضرّك بشيء من الجنون؟ أليست هذه أيضاً من فضائل الناشر الحقيقي؟ اليوم، فجأة في بيروت، عاد “جنون الشعر” إلى عالم النشر. وانهالت العناوين والمشاريع. “دار الجديد” تحمل في انبعاثها أصواتاً طازجة: جهاد الزين (الذكريات ضفادع) وجورج أبو حساب (مرايا الوقت)... “دار نلسن” التي بقيت تقاوم، تحمل إلينا جديد صباح زوين (في محاولة منّي). و“المؤسسة العربية للدراسات والنشر” تقدم آخر كتابات الكويتية المشاكسة سعديّة مفرّح (تواضعت أحلامي كثيراً). وها هي “دار النهضة العربيّة” تعلن عن إطلاق سلسلة جديدة، بين شعرائها سركون بولص (العراق)، ياسين عدنان وحسن نجمي (المغرب)، زكي بيضون (لبنان)، رنا عبّاس التونسي (مصر)...
هل هي عودة الشعر؟ أم تراها عودة بيروت أيضاً؟