وائل عبد الفتاح
أدونيس جريء من زمن آخر. بدا كذلك، خلال الخريف الماضي، في قاعة “المجلس الأعلى للثقافة” بمعمارها الوقور في القاهرة. لو كان المتحدث أصغر سناً لالتزم الصمت وهو يلاحظ منقبات وشاباً ملتحياً بين الحضور. “أنا لا أؤمن بالأديان”. قالها في معرض الردّ على سؤال سخيف: هل أنت شيعي أم سني؟ كان فخوراً بأنّه منبوذ.
جاءت الأسئلة كلها عن الدين. تحدث أدونيس عن الفرق بين الحقيقة المنتهية خلفنا. حقيقة المؤمنين غير القابلة للتفكير. والحقيقة التي هي بحث وحركة. فرق قديم، لكنه بدا مدهشاً على لسانه. هذا بالضبط سرّ أدونيس. في زيارة قديمة له الى مصر، كتبنا عن جنازة أدونيس، النجم الذي يستعين بعكازات النجومية. أما اليوم، فتبدو الصورة أوضح. الجمهور يطلب الإعادة ولا يحب الجديد. تحدث أدونيس كأنّ كتابه “الثابت والمتحول” يصدر اليوم. كأن الجلسة في القاهرة ممتدة منذ 1974. “القاهرة ايضاً ذكريات”، قال مشيراً الى انتقال المركز الى بيروت وربما الى أطراف أخرى. إنها القاهرة اليوم. والكل جالس في انتظار معجزة. نجم منهك. لم تعد الافكار تصنع البهجة. منبوذ بأثر رجعي يتحدث عن أن الخلافة انقلاب عسكري وقراءة السلطة للقرآن مغرضة. موضوعات تبدو مدهشة في استمرارها وغياب منتقديها. ها هي رائجة في القاعة التي يبدو مزاجها مثل صخرة ثقيلة تكاد تهوي على الرؤوس المحشوة بكلام فارغ. صدى الشارع المضطرب والفوضى المعتمة. من أين أتت الاضواء وسط هذه العتمة لتمنح ادونيس نجومية على قمة خراب غير مدهش؟