دمشق ــ خليل صويلح
بعد الطفرة الدرامية في دمشق، انقلبت المعادلة:
أصبح الفنان هو السلطة الرابعة: يمنع الصحافي من متابعة عروضه ويهدده... ويقاطع الإعلام الرسمي


تنطوي الصحافة الفنية في سوريا على مفارقات جمّة، سواء لجهة نوعيتها، أم لجهة العلاقة بين الصحافي والفنان. ونظراً لغياب الصحافة الفنية المتخصصة، إذ تخلو المكتبات من أي مطبوعة فنية خالصة ــ باستثناء مجلة “فنون” التي تصدرها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ــ تسعى الصحف اليومية الحكومية وبعض المجلات السيّارة، إلى سدّ هذه الثغرة بأخبار ومقابلات وتعليقات سريعة، لا تدخل في العمق أو تعمد إلى تشريح المشهد من داخله، وهي بذلك تفتقد الحدّ الأدنى من المهنية، فأغلب العاملين والعاملات في هذا المجال، أتوا إلى الصحافة الفنية من الأبواب الخلفية، بوصفها أسهل الأنواع الصحافية. حتى إن بعض المطلقات والفتيات العاطلات من العمل، تحولن إلى صحافيات، وتسللن إلى صفحات المجلات من باب “المقابلة” الفنية، متسلحات ببضعة أسئلة تقليدية من نوع: ما طبيعة الشخصية التي تؤديها في هذا المسلسل؟ وما رأيك بالدراما السورية؟ وما هي آخر أخبارك الفنية؟
هكذا تغيب الندّية والمواجهة والمكاشفة، بين الصحافي والفنان، إذ إن معظم الصحافيين يتصرفون أمام الفنان من موقع المعجبين أو المعجبات؟ وأن تقابل جمال سليمان أو بسام كوسا أو أمل عرفة أو سلاف فواخرجي “شخصياً”، فهذا يبدو حدثاً جللاً بالنسبة إلى صحافي أو صحافية متدربة. الأمر الذي وضع هؤلاء الفنانين في مواقف حرجة، بسبب ركاكة بعض الحوارات المنشورة معهم، وهي، في معظمها، لا تلامس جوهر تجاربهم، سلباً أو إيجاباً. لذا تراهم يضطرون لاحقاً إلى تصحيح جملة هنا، ورأي هناك، والابتعاد قدر الإمكان عن مقابلات كهذه، تسيء إلى صورتهم أولاً، قبل أن تسيء إلى زملاء آخرين. حتى إن بعض الفنانين قاطع الصحافة المحلية نهائياً، خشية إثارة مشكلات ليست في بالهم. فالصحافي الذي تدرب على المهنة من منابر مثل “نادين” و“الجرس”، و“زهرة الخليج” وبعض الصحف المصرية الصفراء، تشكلت لديه صورة محددة لنوعية الصحافة الفنية التي تعتمد الفضيحة والعناوين الساخنة. وهو يسعى إلى تلميع اسمه بـ“خبطة”، تعزز حضوره. لكن طبيعة الحياة الفنية في سوريا لا تحتمل هذا النوع من الصحافة. ولطالما حصلت مشادات في الأماكن العامة بين صحافي وفنان، أو اتصل فنان بصحافي يهدده وإدارته، إثر نشر خبر أو تعليق عابر، ما يضطر الصحافي إلى كتابة اعتذار عن ذنب لم يرتكبه، خصوصاً أن رئيس التحرير، في نهاية الأمر، يقف في صف الفنان لا إلى جانب المحرر.
والحرص الذي يبديه بعض الفنانين على سمعتهم المهنية والحياتية، جعلهم يشترطون على الصحافي قراءة المقابلة قبل نشرها، خوفاً من “تهريب” جملة قالها في لحظة انفعال، تضرّ بمصلحته تجاه شركة إنتاج تلفزيونية أو مخرج. وهذا يعني ببساطة أن اسمه سوف يدخل في “القائمة السوداء” لدى الشركة أو المخرج، وسيوضع خط أحمر أمام علاقاته العملية في المستقبل. وكم من فنان دفع ثمناً غالياً، لمجرد تعليقه على“شلّة” فنية، أو مدير شركة إنتاج، في معرض حديثه عن شؤون المهنة وشجونها.
من ناحية ثانية، تفتقر الصحافة الفنية في سوريا إلى النقد، إلا فيما ندر. وإذا كنتَ قد درست النقد أكاديمياً، وحاولت أن تبرز عضلاتك ببثّ بعض المصطلحات النقدية في سطور مادتك، عن عرض مسرحي أو فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، فسوف تواجه بحملة مضادة تتهمك بالغرور وعدم الفهم، يتبعها لاحقاً منعك من حضور عروض. وقد يصل الأمر إلى إقامة دعوى قضائية عليك، وهذا ما حصل مراراً من إدارات ومخرجين وفنانين. كل هذا أدى إلى حصر الكتابات “النقدية” بتبجيل الأعمال وزخرفتها بالمديح، وأن الفنان قد “تفوق على نفسه”، على رغم تكراره للأدوار ذاتها. المعادلة إذاً مقلوبة، فبدلاً من أن تكون الصحافة “سلطة رابعة”، صار الفنان سلطة وصاحب سطوة، لا يمكن إنكارها وتجاهلها. وعلى رغم ذلك يبدي معظم الفنانين السوريين تذمرهم من الصحافة المحلية واتهامها بتجاهل إنجازاتهم و“نجوميتهم”، خصوصاً بعد الطفرة الدرامية التلفزيونية التي أفرزت “نجوماً” بين ليلة وضحاها، صارت لديهم شروطهم في المقابلات إلى الدرجة التي أصبح بعضهم يرفض الظهور في شاشة التلفزيون الرسمي، من دون اجر، وهو أمر لم يكن وارداً قبل سنوات قليلة.
في المحصلة، لن يقع القارئ في هذه الصحافة على فضيحة مدوّية أو مانشيت ساخن، أو حتى هجوم وهجوم مضاد، عدا بعض الاستثناءات، كأن تقرأ حواراً مع نجدت أنزور، أو هشام شربتجي، أو أيمن زيدان، أو صباح عبيد (نقيب الفنانين حالياً)... وهكذا سيكتفي بالشائعات المتداولة التي من المستحيل أن تتسلل إلى صفحات الجرائد والمجلات، حتى لو كان الأمر على مستوى سرقة ممثل لدور ممثل آخر، وهو ما يحدث كل يوم تقريباً.