أمل الأندري
صاحب الوجه الجميل الذي التقيناه ذات يوم على متن الـ«تايتانك»، ماذا أتى به إلى سيراليون؟ لعلّها مهمّة إنسانية. أم هوليوود، تحوّل بؤس القارة السمراء إلى استعراض ناجح؟ الجواب مطلع الشهر المقبل على الشاشات اللبنانية

طريق سيراليون تمرّ في هوليوود هذه المرة. إذ يأخذنا ليوناردو دي كابريو وحفنة من نجومها الآخرين، إلى القارة السمراء، لنكتشف معاً إحدى تلك المآسي التي ليست سوى الخبز اليومي للناس القابعين على قارعة العالم، في جحيم الفقر والاستغلال والجوع والحروب الأهليّة، بعيداً عن ترف الحضارة وامتيازاتها ومسرّاتها.
في فيلمه «الماسة الدموية» (Blood Diamond)، يتناول المخرج الأميركي إدوارد زويك الوجه الآخر لتجارة الماس في هذا البلد الفقير، تجارة ليست إلا شكلاً آخر من أشكال الرقّ الحديث. هذه هي الرسالة الأخلاقية للفيلم الذي أثار احتجاج إحدى أهم شركات الماس في أوروبا... أما الباقي، فمجموعة من التوابل الدراميّة والتقنية وعناصر التشويق والأكشن التي يمكن أن نتوقعها من أحد أحدث الإنتاجات الضخمة في السينما الهوليوودية.
أحداث «الماسة الدموية» (سيناريو تشارلز ليفيت) تدور في سيراليون خلال التسعينيات. نحن في أتون الحرب الأهلية بين المتمردين والقوات الحكومية التي ذهب ضحيتها عشرات آلاف القتلى. يسترجع مخرج «الساموراي الأخير» هنا فصلاً دموياً من تاريخ القارة السوداء في فيلم ملحمي ليس غريباً عن إدوارد زويك. لكن الى أي مدى نجح المخرج الأميركي في التعامل مع موضوعه؟ وماذا يبقى من الرسالة (الأخلاقية) التي يحملها الفيلم؟
يقدم المتمرّدون على أسر سولومون فاندي (دجيمون هونسو) صياد السمك، والزوج، والوالد المحبّ ويُرسَل مع سائر الأسرى الى معسكر للتنقيب عن الماس، عصب الحرب الذي يستخدمونه لتمويل عملياتهم. وذات يوم، يقع على ماسة ثمينة فيخبئها في الرمال. وسرعان ما تشن القوات الحكومية هجوماً على المتمرّدين، فتلقي القبض على سولومون. في السجن يتعرّف بطلنا الى داني آركر (ليوناردو دي كابريو)، وهو جندي سابق قُبض عليه بتهمة تهريب الماس. يعقد الاثنان صفقة: بعد خروجهما من السجن، يساعد داني آركر صياد السمك على العثور على عائلته، وفي المقابل يدلّه الأخير على مكان الماسة. ويلجأ داني آركر إلى مساعدة مادي بوين (جنيفر كونيللي)، الصحافية الأميركية التي تقوم بتحقيق عن تجارة الماس. يعدها بالمعلومات الضرورية لتحقيقها، مقابل أن تستخدم صلاحياتها في دخول بيانات الأمم المتحدة لتحديد مكان عائلة سولومون.
خلال تلك الرحلة المشوّقة للعثور على الماسة، يقترب المخرج إدوارد زويك من ذلك الفصل الدموي من تاريخ سيراليون الحديث. لكن الأهم من كل ذلك، أنّ الفيلم يكشف لنا النقاب عن الجشع الذي يتحكّم بسوق تجارة الماس في العالم. نرى كيف استُخدم الماس في تأجيج الصراع الدائر وتمويله، وتواطؤ حكومات في أوروبا وأميركا مع عصابات تهريب الماس في جنوب أفريقيا وحتى حمايتهم فيما يصوّر استغلال العمّال الأفارقة في مناجم الماس. وهذا ما دفع شركة «بي بيرز غروب» التي تسيطر على 80 في المئة من سوق تجارة الماس عالمياً، إلى الإعراب عن تحفظّها على الفيلم الذي تخوّفت من انعكاساته السلبية على سوق الماس وطلبت أن تَرد ملحوظة في الفيلم تشير الى أن وقائعه لا ترتكز الى الواقع. أي إننا أمام مجرّد فيلم مغامرات، ترفيه هوليوودي جديد لا يؤذي مصلحة رأس المال العالمي.
ورأى النقاد أن ليوناردو دي كابريو، بلغ النضج من خلال أدائه في فيلمي «ألماس الدم» و «المغادر» (مارتن سكورسيزي). واكتشفوا أنّه أكثر من ذلك الوجه الجميل الذي أطلّ علينا قبل عشر سنوات على متن سفينة «تايتانك». فهو يجسّد في فيلم زويك، دور رجل قاسٍ ووصولي أيضاً، يعيد اكتشاف إنسانيّته مع تطوّر الفيلم. وتجدر الإشارة إلى أنّه رُشّح لجائزة أفضل ممثل ضمن جوائز «غولدن غلوب» التي توزّع اليوم... في انتظار الأوسكار.
أما ظهور جنيفر كونيللي فجاء مفتعلاً. هذه الممثلة الحائزة جائزة أوسكار، التي أدهشت الكل بأدائها في فيلم «بيت من الرمال والضباب» تحوّلت في « ألماس الدم» الى كليشيه الصحافية المثالية الباحثة عن الحقيقة التي تربطها علاقة عاطفية مع دي كابريو.
وأجمع النقاد على أن المخرج الأميركي إدوارد زويك كان بوسعه أن يطالعنا بفيلم ضخم يستحقّ أكثر من مجرد إطراء. فعلى رغم المشاهد القوية التي تجسّد الصراع بكلّ كثافته، أُخذ على زويك وقوعه في فخّ الكليشيهات، وفي النظرة التبسيطية الى الصراع في سيراليون. وقد رأى أحد النقاد أنّه من الطبيعي أن يفتقر فيلم زويك إلى عناصر دراميّة أساسيّة، وأن يشكو من غياب الدقة في تصوير الإطار التاريخي... فهو في النهاية ليس سوى مخرج أبيض، يصوّر فيلماً هوليوودياً، يحاول من خلاله مقاربة موضوع شديد الخصوصية والتعقيد، يختصر الكثير من معاناة القارة السمراء.