ياسين عدنان
لم يتردد الباحث عبد العزيز بومسهولي، وهو أحد الوجوه الأكثر دينامية ضمن كوكبة الفلاسفة الجدد في المغرب، في إعادة تعريف الفلسفة في كتابه الجديد “الفلسفة المغربية: سؤال الكونية والمستقبل” (مركز الأبحاث الفلسفية ــ المغرب) الذي خصّصه للفلسفة المغربية بعد محمد عابد الجابري وعبد الله العروي.
أعاد بومسهولي تعريف الفلسفة في عمله التاسع هذا، معتبراً أنّها تلك الإمكانية التي تجعل وجود الإنسان في العالم علةً تأسيسيةً من حيث قابليتها لأن تتشكل كقوة حيوية قادرة على إحداث الهوة بين الطبيعة والثقافة من جهة، والثقافة والتفكير من جهة ثانية. وأكد الكاتب أن القدرة على إحداث هذه الهوة تتمثل في تحرير الإنسان من رقابة الثقافة التي أنتجتها التجربة الإنسانية، لكنها تحولت بفعل العادة والتراكم إلى ميتافيزيقا مهيمنة تمارس وصايتها على الإنسان فتحُول بينه وبين التفكير والمساءلة والانفلات.
ويمضي عبد العزيز بومسهولي في تحليل الفرضية المؤسسة لتأمله انطلاقاً من استعادة التساؤل الذي سبق للمفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي أن طرحه حول ما إذا كانت لدينا حياة فكرية فلسفية حقاً؟ وما إذا كان الفكر المغربي يحيا بالفعل؟ هكذا، يعود بومسهولي إلى المنجز الفلسفي المغربي من خلال متون عبد السلام بنعبد العالي أولاً، وعدد من المتون اللاحقة لمفكرين شباب، مستجلياً ملامح قراءة الفكر المغربي للتراث الفلسفي الكوني. وهي قراءات كان لها تأثير كبير في تشكيل وعي مغاير بالفلسفة وأهمية خاصة في خلق شروط حياة فكرية جديدة.
ويؤكد الكاتب أن رهان الفلسفة المغربية لا يكمن في تتبع تطورات الفكر العالمي فحسب، بل في الإسهام في حركية هذا الفكر أيضاً. لكن الباحث سيسجل أنَّ الفلسفة المغربية ظلت حبيسة تصور لافلسفي للفلسفة. تصور بات يحكم مسار عدد من المشتغلين بها الذين يقتصر مجهودهم، مع الأسف، على تلخيص القضايا والإشكالات وترجمة النصوص أو الاهتمام بقضايا التراث، وهو انشغال يحول دون انبثاق حياة فلسفية حميمية.
ويمثل مفهوم “تجربة الفكر” الذي نحته بومسهولي بنفسه النواة التأسيسية التي تنتظم حولها مجمل تأملات هذا العمل. إذ اعتبر الباحث هذه التجربة الرحم الذي تولد فيه اللاطمأنينة والدهشة التي يمكنها أن تُخلِّص الباحث في مجالات الفكر والفلسفة من السبات الدوغمائي ومن سلطة المعرفة الكليانية التي تحول بينه وبين الوثبة والانفصال.