strong>محمد رضا
“المُغادر”، فيلم مارتن سكورسيزي الجديد الذي افتتح الدورة السادسة لـ "المهرجان الدولي للفيلم" في مراكش، يختلف كثيراً عن أي من الأعمال السابقة لصاحب “سائق التاكسي”. العمل مقتبس عن فيلم انتج في “هونغ كونغ” بعنوان “مسائل داخلية”. وقد بقي سكورسيزي أميناً للأصل، وإن كان قد وضع عليه بصماته الخاصة طبعاً!
الفيلم عنيف للغاية. لكن العنف ليس جديداً على سينما سكورسيزي، بل يكاد يكون ملازماً لمعظم أعماله. في الواقع، يكمن الاختلاف هذه المرة في أن المخرج الأميركي الذي طالما غرّد خارج السرب، بدا هنا هوليوودياً أكثر مما كان عليه في أي وقت مضى.
التحدّي الذي يُصاحب هذا الفيلم متعدد الوجوه، بدءاً بالسيناريو وانتهاء بالأسلوب. السيناريو الذي يحمل توقيع ويليام موناهان (كاتب “مملكة الجنة” لريدلي سكوت)، يسارع منذ البداية الى زرع الشخصيات في الأماكن التي ستراوح عندها الى الأبد. إنّه فيلم لا تتطوّر فيه الشخصيات من الداخل، بل تنمو على نفسها فقط.
جوزف كوستيللو (جاك نيكلسون) زعيم العصابة الخطير، أخطبوط يمدّ ذراعيه في كل اتجاه، بما في ذلك طبعاً القانون نفسه. لديه جرذان (حسب التعبير البوليسي الشائع) في الـ “ أف. بي. آي” والشرطة. وكولِن سوليڤن (مات دامون) هو أحد تلك الجرذان، بل أقواها. في المقابل، هناك بيلي كوستيغَن (ليوناردو دي كابريو) الجرذ الذي يعمل داخل شبكة كوستيللو ذاتها، لكنّه يتجسس لحساب الوحدة الخاصّة في الشرطة، وتحديداً تلك التي عشش فيها كولِن. هكذا يبدو لنا الفيلم حرب جرذان.
أفلام سكورسيزي متمحورة غالباً حول حروب العصابات. لكنه ــ هذه المرّة ــ يقحم نفسه في فضاء جديد. بدلاً من تسليط الضوء على جانب واحد من المعادلة، أي المجرمين الذين يصوّرهم عادةً بنظرة لا تخلو من الإعجاب، يمنح الجانب الآخر، أي القانون وممثليه، نسبة موازية من الأهميّة.
وكالعادة، يبدو التشويق سيّد اللعبة في الفيلم. لكن المشاهد سيعاني كثيراً إذا ما حاول التعامل مع الفيلم على هواه. نحن لسنا هنا أمام لعبة فيديو... بل أمام فيلم زاخر بالمواقف، متعدد الحبكات، يحتوي على عدد من الشخصيات المقلقة التي تتمنّى الا تلتقي بها... الا في أفلام مارتن سكورسيزي.