بيار أبي صعب
كنا نتوقّع من حازم صاغيّة كلّ شيء إلا هذا “الضرب”! كتاب آخر في هجاء العروبة التي تربطه بها علاقة حبّ ملتبسة، لامست حدود النفور. أم لعلّه أصدر أخيراً المؤلف المرجعي الذي يعمل عليه عن العرب واللاسامية؟ أما أن يفتح لنا أدراجه السريّة، كما فعل في كتابه ذي العنوان المغريتيّ “هذه ليست سيرة” (الساقي)...
كنا مستعدين نفسيّاً لقراءة أي كتاب جديد له، متأرجحين بين إعجاب وغضب، اتفاق مع مطالعة نقدية ملؤها المرارة... أو ضبط مفارقات واختزالات وتعميمات، تعيد إلينا شيئاً من الاطمئنان إلى خيارات كاد يخلخلها. فإذا كنت تحب هذا الكاتب السياسي اللبناني أو تكرهه، سيجد وسيلة ما ليستفزّك ما يكفي كي تعيد النظر بقناعات، أو تبحث عن حجج جديدة خارج دائرة اليقين. وها هو يستلّ ضمير المتكلّم، رافعاً ستر الحياء عن وجوه وحكايات، مشاهد وأحداث وذكريات، بلغة أدبية مدعّمة بالوقائع، مطعّمة بالإحالات الفنيّة والفكريّة.
تبدأ السيرة من الجدّة الناصريّة التي سمّت ابنها خالد، أي من “الضيعة” التي ليست “الجبل” ولا المنتجع “الاصطيافي”، وتنتهي عند سفره، بعد الاجتياح الاسرائيلي، إلى لندن حيث يقيم اليوم. يستعيد محطاته البعثيّة، فالناصريّة ــ العروبيّة، فالقوميّة السوريّة، فالشيوعيّة، فالخمينيّة... يروي الأحداث من وجهة نظر ذاتية، الآن وهنا. أي من الموقع الـ “الليبرالي” الذي وصل إليه. حازم يحبّ تاريخه وأصوله، ويكرههما في الآن نفسه. وهذه الإشكالية ليست سوى أحد الدوافع الكثيرة لقراءة كتاب، هو أيضاً تأريخ لذاكرة جيل، لمرحلة حاسمة في الوعي السياسي العربي.
يقول لنا حازم صاغيّة ببساطة، إنّه «سبق أن مرّ في المحطّات التي يقيم في كلّ منها من ينتظرون قطاراً بعينه لا يستقلّون غيره». وبما أنّه «يظنّ» أن أياً من تلك القطارات لن يأتي، فلم يبق له سوى أن «يتقلّب بين الضجر من هذه اللعبة، والتسلية بها».