strong>إسماعيل طلاي
كلّما ناقش أحد البرامج الحوارية قضيّة معيّنة، يغيب الشباب وتحضر أميركا رغماً عن أنفها... هذا ما حصل في “الاتجاه المعاكس” الذي تناول أخيراً جراحات التجميل والفضائيات الغنائية... والجنس

لا تكاد تخلو البرامج الحوارية في الفضائيات العربية من عقدة “المؤامرة” التي “تلوكها” الغالبية الساحقة ممن يوصفون بالمحللين وأصحاب الفكر والحلّ... كلما فتحوا النقاش عن ظاهرة معينة في العالم العربي تعدّ من قبيل “التابوهات” و“السلوكات الانحرافية” في المجتمع، يخيّل إلينا أن مجتمعنا بريء براءة الذئب من دمّ يوسف. وعادة ما “يفتي” رجال الفكر في نقاشات، الأولى أن يتحدث الشباب عنها. إنه الواقع الذي ينطبق على كثير من البرامج الحوارية، ولعلّ أبرزها “الحوار المعاكس” أو “الاتجاه المشاكس” كما يصف بعض المشاهدين برنامج “الاتجاه المعاكس” الذي يقدمه فيصل القـــــــــــــاسم عــــــــلى قناة “الجزيرة”.
على غير عادة، فضّل القاسم، الأكثر “استفــــــــــزازاً” لضيوفه، أن يطلّ علينا في حلقاته الأخيرة بنقاش ساخن، لكن بعيداً من هموم السياسة هذه المرة. اختار أولاً “عمليات التجميل في الوطن العــــــــــــــــربي”، ثم آثر قبل يومين أن يعيد الفضـــــــائيات الغنائية العربية إلى بــــــــــــــؤرة الضوء. في قضية التجميل، كان النقاش أشبه ببرنامج “الشريعة والحياة”: الدكتور إبراهيم الخوري من جامعة الأزهر يفتي ضدّ هذه الظاهرة، والدكتور علاء غيتة، أستاذ جراحة التجميل في جامعة القاهرة، يدافع عن هذه الجراحات والفنانات اللواتي يلجأن إليها. أما فيصل القاسم فظل شبه صامت طوال البرنامج، مستمتعاً بنقاش الإفتاء بين الطرفين. ولم يجد نفسه بحاجة إلى استفزاز ضيوفه لـ“ تســـــــخين” الحوار كما جرت العادة!
استنجد دكتور الأزهر بنساء من عهد الصحابة، لم يفكرن يوماً في التجميل، للدلالة على تحريم عمليات التجميل. ردّ عليه الدكتور علاء بالحديث عن “نانسي عجرم التي تقدم خدمة للإنسانية، وتسعد الجمهور بأغانيها بفضل وجهها الجميل الذي أجرت له 10 عمليات جراحية”... وما إن أنهى د. علاء حديثه حتى انفجر الدكتور الخوري متهماً غيتة وأمثاله بأنهم “يتحملون وزر إعانة نانسي على المعصيةوهكذا، تحول النقاش إلى ندوة إفتاء في التجميل، وسجال بين الطرفين حول الأكثر التزاماً بينهما بتطبيق شريعة الإسلام، قبل أن يتحول ممثل الأزهر لاحقاً إلى اتهام أميركا بأنها وراء سبب المشكلة لأنها تغري الشباب العربي والمسلم بالتجميل، وبالتالي هي سبب “هذه البلاوي”، والعرب هم دوماً ضحاياها!
وبعد ساعة من النقاش، انتهت الحلقة بالصراخ، ولم يجب أحد من الضيوف عن سؤال رئيسي: لماذا أصبحت عمليات التجميل الشغل الشاغل للشباب؟
وفي حلــــــــــــقة النقاش عن الفضائيات الغنـــــــــــــائية في العالم العربي، تكرر السيناريو عينه. كان الحوار محاكمة على الطريقة العربية: العرب هم الضحية، لا حول ولا قوة لهم في ما ينقل إليهم. أما المتهم فهو الغرب الــــــــــــذي يسعى إلى غزو المجتمعات العربية ثقافياً!
وفي معرض تحليله لظاهرة انتشار الفضائيات الغنائية وأغاني الجنس في العالم العربي، حمّل الدكتور علي الشعيبي، وهو مستشار إعلامي، أميركا مسؤولية نشر الفساد، علماً أن من يساعدها في ذلك هو مجموعة من المستثمرين العرب الذين يصرفون الملايين على القنوات الغنائية والإباحية والجنسية. وقال إن الغرب وأميركا ينشرون الفضائيات الغنائية ويروّجون للجنس، فيما لا تمثّل القنوات الترفيهية هناك سوى 20 في المئة فقط من تلك التي تغرق المشهد الفضائي عندنا. وردّ عليه محمد حبوشة، صحافي في مجلة “ساوند كليب” بأن هذا النوع من الأغاني ممكن أن يشكّل أداة تغيير في المجتمعات، وخصوصاً لدى الشباب، متسائلاً: “ماذا قدمت الأغاني الوطنية. لدينا 3 آلاف أغنية وطنية، لكنها جميعها لم تحرر فلسطين، ولم تنه أزمة لبنان أو العراق؟”. وعلى رغم ان النقاش بدا أكثر موضوعية في الحلقة الثانية، لم نسمع أي صوت للشباب في برنامج يطرح قضايا تعنيهم في الدرجة الأولى. في المقابل، كانت الأسطوانة نفسها تتكرر: “الموت لأميركا التي تفسد شبابنا وشعوبنا”! لسنا هنا لنبرّئ بلاد العم سام، فهي إن استهدفت عقول الشباب العرب، تكون وفية لمبادئها ورسالتها التي تعلنها جهاراً وتخصص لها برامج وموازنات ضخمة. ومن حقها أن تنشر قيمها عن حرية التعبير في المجتمعات العربية في إطار ما تسميه تحسين صورة أميركا في العالم العربي. ومع كل ما يمكن أن يقال عن سياسة الدول الكبرى، إلا أننا نادراً ما نسمع سؤالاً بديهياً: وماذا نحن العرب فاعلون؟
في قضايا الغناء، والعري على الفضائيات، والجنس، وجراحة التجميل عادة ما يكون الشباب في محل المفعول به، لكننا نادراً ما نسمع صوتهم أو نحاول معرفة سبب تهافتهم على القيم الأميركية؟ ولم نحن العرب ضحايا مؤامرة، وأميركا هي محور الشر؟
يلجأ المحللون العرب دائماً إلى صراخ، فيصبح البرنامج حواراً للطرشان، ويجد المستمع صعوبة في متابعة الضيوف. في المقابل، يتحاور الأميركيون أو الإسرائيليون بهدوء ويخاطبون العقل والـقلب معاً... فهل في الصراخ قوة إقناع، أم دليل على ضعف الحجة وانعدام الثـــــــــقة بالنفس؟