مهى زراقط
“البرامج السياسية التي تخلو من التسلية والاستعراض لا يمكن متابعتها”. هذا الرأي الذي تكرره الإعلامية جيزيل خوري في معظم الندوات التي تشارك فيها، يأتي دائماً في إطار دفاعها عن التلفزيون المتهم بالترويج للسخافات. وهو أمس لم يتهم بذلك فحسب، بل إن الكاتب ميشال جحا استعاد مقولة الأديب اللبناني الساخر سعيد تقي الدين التي وصف فيها الرأي العام بالـ“بغل”، ليحمّل التلفزيون مسؤولية صناعة هذا النوع من الجمهور.
لم تستطع خوري التي كانت تدير جلسة “الإعلام والسياسة” في إطار أعمال مؤتمر “الرأي العام والإعلام بين أوروبا والشرق الأوسط”، تجاهل هذه الملاحظة. دافعت عن التلفزيون كمؤسسة تبحث عن المال والربح “ومن لا يحب السخافة يمكنه ببساطة أن يتناول كتاباً من مكتبته ويقرأه”. هذا النقاش كان الأكثر حدة على رغم أنه، نظرياً، لم يكن مدرجاً في جدول أعمال المؤتمر (العلاقة بين التلفزيون والثقافة). غير أن المداخلة المؤثرة التي قدمها الدكتور العراقي حسين شعبان عن دور الفضائيات العراقية في تعزيز الطائفية، “إذ تتحدث كل قناة باسم الطائفة أو الحزب الذي تتبع له” هي التي أثارت النقاش قبل أن يعود ويتخذ بعداً أكثر أكاديمية تعليقاً على محاضرات المداخلين.
وكانت الدكتورة أولفا لملوم عرضت الدور الذي انفردت به قناة “الجزيرة” في التوجه إلى الرأي العام العربي وخصوصاً في أوقات الأزمات. وعرضت الباحثة الألمانية كاترينا نوتزولد برمجة المحطات اللبنانية وإنتاجها برامج تلفزيون الواقع “التي لن تحقق الديموقراطية لمجرد أن المشاركين يتصلون، لكنهم باتوا يستمعون إلى تعليقات وآراء مختلفة، وخصوصاً البرامج التي كانت تجمع العرب من دول مختلفة ويعيشون سوياً”.
هذه المداخلة دفعت خوري إلى تقديم ملاحظتين: الأولى اعتبارها أن الإشكاليات التي يطرحها وجود “الجزيرة” لم تكن لتوجد لولا افتقاد لبنان إلى الحرية الإعلامية بعد إحكام “قبضة العسكر” عليه في عام 1998. أما الثانية وهي الأهم أن “البرامج الاجتماعية والمنوعات هي التي كانت تثير اعتراضات وانتقادات المراقبين أكثر بكثير من البرامج السياسية”.
ولم تخل الجلسة الثانية التي تناولت “الاقتصاد السياسي والإعلام” من معلومات مثيرة متعلقة أيضاً بالأرقام من حيث أوضحت الباحثة ناوومي صقر أن “مراكز الدراسات في لبنان تقدم أرقاماً تتعلق بنسبة المشاهدة لا تعترف بعض محطات التلفزة بعلميتها وباتت تعتمد على إحصاءاتها الخاصة”. وقدمت مثالاً على ذلك تلفزيون “المستقبل” الذي يرفض إحصاءات شركة “ستات ايبسوس” (التي أعلنت تفوق برنامج “ستار أكاديمي” على “سوبر ستار”) “لأن نتيجة هذه الاستطلاعات هي التي تحدد حجم الإعلانات وتوزيعها على المحطات”. واختتمت الجلسة بمداخلتين للباحثين تريستان ماتلار الذي عرض النظريات التي ناقشت عولمة وسائل الإعلام، وسيسيك باسيك التي عرضت واقع القنوات التركية في أوروبا.
المؤتمر الذي اختتم أعماله أمس أثار جملة من القضايا العربية التي وجدها الباحثون الأوروبيون مثيرة للجدل “وهي تدعو إلى إعادة النظر في الكثير من المسلّمات المتعلقة بنظرة الغرب إلى هذه الدول”، وربما كانت “إعادة النظر” هذه أحد أهداف المؤتمر.