بغداد ــ سعد هادي
استطاع مهند هادي في مسرحيته “حظر تجوّل” أن يحرك شيئاً ما ركود الحركة المسرحية في العراق، إن لم نقل أن يعيد الروح إليها بعد انقطاع لم تألفه من قبل. حظيت مسرحيته باهتمام إعلامي واسع، فيما وجدها النقاد إضافةً نوعيةً إلى التجارب المسرحية الجديدة في العراق. وقد نجحت “حظر تجوّل” في مقاربة الواقع العراقي الراهن بكل تناقضاته. واستطاعت أن تعبر عن مشكلاته من خلال حوار طويل بين شخصيتين مهمّشتين عن بلاد تحترق ونسيج اجتماعي ينهار.
يعرف الجمهور مهند هادي من خلال تجربتين مسرحيتين سابقتين: الأولى بعنوان “الحديقة” مقتبسة عن رواية لمارغريت دوراس قدمها في قاعة المركز الثقافي الفرنسي في دمشق منتصف عام 2003. وكان المخرج الشاب قد قرأ نص دوراس في ضوء الراهن العراقي. فـ “الناس في المسرحية كما في الواقع يراقبون ما يحدث، بينما يجلسون في أماكنهم ولا ينتبهون إلى رتابة أيامهم وتكرارها”. أما المسرحية الثانية فبالاشتراك مع المخرجة اللبنانية بولين حداد، وكانت بعنوان “المنصة” لكنّها لم تنل حظها من الانتشار بسبب اندلاع الحرب في العراق.
يوضح مهند أنّه لا يقصد بعنوان مسرحيته “حظر تجوّل” ما يجري في العراق اليوم، فـ “هذا البلد في حظر تجوال منذ قرون. المحظور فيه أكثر من المسموح”. ويضيف: “استلهمت فكرة المسرحية من مشاهدتي لعروض كثيرة تتناول الواقع العراقي، منها المسلسلات التلفزيونية المحلية. لكن اتضح لي أن هذه الأعمال تناقش هوامش المشكلة وليس متنها. كما أنّها تعرض وجهات نظر نمطية اتخذت بمعزل عن آراء الناس. من هنا، اختمرت لدي فكرة المسرحية: شخصيتان من قاع المدينة تنتميان إلى مكان لا تريدان الانفصال عنه، على رغم الأخطار المحدقة به. إنهما مثل الكثير من العراقيين تعيشان في حظر تجوّل دائم، في الشارع، وفي مكان العمل، وفي المنزل، قبل الاحتلال وبعده. تلك هي صورة الواقع العراقي”.
لكن هل تكفي شخصيتان مهمشتان للتعبير عن هذا الواقع؟ يجيب مهند: “أعتقد أن أهل الهامش هم أبلغ تعبيراً عن الراهن من سواهم. لقد حاولت من خلال شخصيتين معذبتين ومنسيتين أن ألخّص فوضى اجتماعية بلا حدود”.
وعن الدراما العراقية، يقول المخرج الشاب : “ليست هناك دراما اجتماعية ببعد أخلاقي وإنساني. نعم، هذا هو الواقع العراقي. لكنّ أعمالاً كهذه تقدم دروساً مجانية لمن يريد امتهان الإرهاب والإجرام. أعتقد أن جهات معينة تقف وراء إنتاج هذه الأعمال، إذ إنها جميعاً متقاربة في أسلوب تناول الظاهرة ومعالجتها وطرق رسم الشخصيات”.
عدي رشيد مخرج فيلم “غير صالح للعرض” الذي استضافته “أيام بيروت السينمائية” أخيراً، صوّر فيلماً وثائقياً عن مسرحية “حظر تجوّل” لمحطة تلفزيونية ألمانية. ويجد مهند في ذلك ظاهرة طبيعية، إذ رأى أنّ مسرحيته فتحت الأبواب للتفكير درامياً في الواقع العراقي الراهن وربمّا إيجاد الحلول. ويقول مهند (1967) الذي اختار الإقامة قي دمشق إن مسرحيته أضافت إليه قلقاً جديداً، وإنها بوصفها تجربة نبهته في أي منطقة يقف وعلى أي أرض يتحرك.